منصّات ومظاهر للمعاني الغيبيّة ، ومع ذلك فقد لا يحصل المقصود من التعريف والإفهام ، إمّا لأنّ الأمر المراد توصيله وبيانه تكون مرتبته (١) مستعلية على مراتب العبارات والأدوات الظاهرة ، فلا تسعه عبارة ، ولا تفي بتعريفه أدوات التفهيم والتوصيل ، أو لقصور قوّة المتعلّم والمخاطب عن إدراك ما يقصد توصيله إليه ، وتفهيمه إيّاه ؛ لبعد المناسبة في الأصل.
أدوات توصيل المعلومات
وإذ قد ذكرنا من أسرار الكلام وأحكامه وصفاته ولوازمه ما قدّر لنا ذكره ، فلنذكر ما تبقى من ذلك ، ولنبدأ بتعريف أدوات توصيل ما في النفس إلى المخاطب ، فنقول : أدوات توصيل ما في النفس من معنى الكلام المقصود تعريف المخاطب به ثلاثة أقسام :
أوّلها : الحركة المعنويّة النفسانية المنبعثة لإبراز ما في النفس من المعاني المجرّدة المدركة بالتصوّر البسيط.
ويلي ذلك استحضار صور المعاني والكلمات في الذهن ، وهذه الحركة المشار إليها هي حكم الإرادة المتعلّقة بالمراد طلبا لإبرازه.
والثالث : الحروف والكلمات الظاهرة باللفظ والكتابة ، أو ما يقوم مقامها من النقرات (٢) والإشارة بالأعضاء بواسطة آلات وبدونها.
والمراتب التي تمرّ عليها هذه الأحكام الثلاثة هي مراتب التصوّرات المذكورة ، وهذا من حكم التربيع التابع للتثليث ، وسيأتيك خبره.
وإذ قد وضح هذا ، فاعلم أنّ الحقّ قد جعل الكلام في بعض المراتب والأحيان في حقّ من شاء من عباده طريقا موصلا إلى العلم ، كغيره من الأسباب المعقولة والمشهودة ، نحو التراكيب والتشكيلات والصفات والمظاهر المعيّنة للحقائق الغيبيّة في الشهادة والمعرفة لها ، كما جعل الحروف والكلمات عند انضمام بعضها إلى بعض بحدوث النسبة التركيبيّة والحكم الجمعي طريقا إلى معرفة معنى الكلام المجرّد الوحداني ، وكلّ ما تدلّ عليه تلك الكلمات ، كما جعل الحواسّ والمحسوسات وغيرها طريقا إلى نيل العلم ؛ إذ لحصول العلم
__________________
(١) ه : مرتبة.
(٢) ب : الفقرات.