٣ ـ إن مجموع ما يطالب به المسلم من مجموع الإسلام هو التقوى حقيقة وطريقا والتقوى هي التي توصل إلى الشكر ، ويدخل فيها العمل بالإسلام والتحقق بالإيمان والارتقاء إلى مقام الإحسان ، وقد فصلنا هذا كله في كتابنا «تربيتنا الروحية».
وباختصار نقول :
إن المسلم مكلف بأن يعرف الإسلام ، وأن يعرف شموله ، وأن يؤمن به ، ومكلف بأن يأخذ حظه من العمل بالإسلام ، وبأن يتحقق بالإيمان ، وبأن يسعى للإحسان ، وبأن يتحقق بحقيقة التقوى ، وأن يصل بذلك إلى مقام الشكر ، وهذه معان نعرضها هنا باختصار وسنراها كثيرا فيما بعد ، وإنما أحببنا هنا أن نلفت النظر إلى مجمل ما درسناه بالنسبة لمجموع النصوص ، ولعله قد وضح لدينا أنه لكي لا نكون كافرين ولا منافقين : فإن علينا أن نتذكر عهودنا مع الله ولا ننقضها ، وأن نصل ما أمر الله به أن يوصل من رحم وأن نواد أهل الإيمان ونواليهم ، وأن علينا ألا نفسد في الأرض بصد عن سبيل الله أو بدعوة إلى كفر ، وأن علينا أن نؤمن وأن نعمل صالحا ، بإقام الصلاة والإنفاق والعبادة واتباع كتاب الله ، وأن نتذكر ـ إذا وقع في قلوبنا وسوسة ـ هذا القرآن وإعجازه ، وظواهر هذا الكون التي تدلنا على الله ، وأن نتذكر أن أمامنا نارا أعدها الله للكافرين ، وسنرى كيف أن هذه المعاني كلها ـ مما ورد ههنا ومما سيرد في سورة البقرة ـ ستفصل فيه سور كثيرة.
كلمة أخيرة في المقطع الأول من القسم الأول :
مر معنا حتى الآن من سورة البقرة مقدمتها والمقطع الأول من القسم الأول منها ، وقد رأينا صلة المقدمة بهذا المقطع وعمق الارتباط بين المقدمة وبين هذا المقطع ، ورأينا صلة ذلك كله بفاتحة الكتاب. هذا كله قد رأيناه ، والآن نحب أن نذكر شيئا هو : أن هذا المقطع هو أول مقطع في القسم الأول من أقسام سورة البقرة ، وإذ كان هو المقطع الأول ، فإن صلته ببقية مقاطع القسم صلة خاصة حتى ليكاد يكون كل مقطع من المقاطع التالية يعمق معاني تعرض لها المقطع بشكل من الأشكال ، وسنرى ذلك كله تفصيلا فلننتقل بعد هذه الإشارة إلى المقطع الثاني من القسم الأول من سورة البقرة ، وفيه قصة آدم ، وقد وصلنا إليها بعد أن وضح لدينا : «أن الإنسان سيد هذه الأرض ومن أجله خلق كل شىء فيها كما تقدم ذلك نصا ، فهو إذن أعز وأكرم وأغلى من كل شىء مادي ومن كل قيمة مادية في هذه الأرض جميعا ... فهذه الماديات كلها مخلوقة أو مصنوعة من أجله ، من أجل تحقيق إنسانيته ، من أجل تقرير وجوده الإنساني ...».