ويقول موريس بوكاي : «هناك إذن استحالة اتفاق واضحة بين ما يمكن استنتاجه من المعطيات الحسابية لسفر التكوين الخاصة بظهور الإنسان على الأرض ، وبين أكثر المعارف تأسسا في عصرنا».
أقول : وقد مر معنا في مقدمة هذا التفسير كيف أن الدراسات الأثرية في ما بين الرافدين ، أثبتت أن إحدى الأسر التي حكمت بعض المناطق بعد الطوفان حكمت أربعا وعشرين ألفا من السنين.
وأن كل هذه المعاني تجعلنا حذرين من أن نحمل الإسلام معاني ، هي جزء من الإرث الكتابي السابق. إن موريس بوكاي في دراسته التي أشرنا إليها قال الكثير في نقد العهد القديم والجديد ، ولكنه بعد ذلك أكد كثيرا أنه لم يحدث قط أن النص القرآني عارضه أي اكتشاف علمي أو مقولة علمية.
إن علينا أن نكون دقيقين جدا ، ونحن ننقل عن أهل الكتاب ، أو نقرأ لهم حتى لا نحمل إسلامنا ما لا يحتمله.
إذا اتضح هذا ، فإنه بالنسبة لقصة آدم فنحن لا نقبل الرواية الإسرائيلية في خلق الكون أو في عمر الإنسان ، لأن ذلك يتنافى مع دراسات علمية صحيحة وقد رفض أهل السنة والجماعة فكرة أن الجنة التي هبط منها آدم أرضية ، ولم يذهب إلى ذلك ابتداء إلا بعض المعتزلة ، وبالنسبة لموضوع توسل إبليس بالحية للدخول إلى الجنة بعد أن طرد منها من أجل أن يوسوس لآدم ، فهذا موضوع لا نطالب بالإيمان به ، ولا علينا أن نكفر به ولكن حتى في مثل هذه المواضيع فإن ما يرافق عرض أصلها من تعبيرات وحكايات ، يرافقه الكثير من الخطأ وتفوته دقة الأداء النبوي بحيث يعطي صورة مشوهة عن الوحي ، وهذا وحده شىء خطير.
فصل في الشيطان :
كتب عن الشيطان ملايين الصفحات خلال العصور ، وممن عرض لنظرات الأمم والشعوب في هذا الموضوع (عباس محمود العقاد) في كتابه (إبليس). وهو في الكتاب يجلو الصورة المشرقة لهذا الدين في هذا الشأن ، شأن الإسلام في كل شىء ، إلا أن لنا ملاحظة على كل هذا النوع من الدراسات التي تسمى دراسات مقارنة ، إذ في كثير من الأحيان يخرج الإنسان من مثل هذه الدراسات بانطباع : أن الإسلام هو وجهة