فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢))
كلمة في هذه الفقرة :
تقص علينا هذه الفقرة نماذج من نعم الله على بني إسرائيل : من تفضيلهم على عالم زمانهم ، ومن إنجائهم من فرعون ، ومن إنزال التوراة عليهم ، ومن قبول توبتهم من بعد ما عبدوا العجل ، ومن إحيائهم بعد ما أماتهم عقوبة لهم ، ومن تظليل الغمام على آبائهم وإنزال المن والسلوى ، ومن فتح بعض البلدان عليهم ، ومن سقيهم ماء بشكل معجز ، ومن إباحة لما طلبوه مما اشتهته أنفسهم. ولكن هذا التذكير بالنعم يأتي في طيه تذكير بمواقفهم الخائنة مع وجود هذه النعم. بل تستقر الفقرة على ذكر العقوبات الكبرى من ضرب الذلة والمسكنة عليهم ، ورجوعهم بغضب الله ، إلا من كان منهم مؤمنا يعمل الصالحات ، وذلك للإشعار بأنه لا أحد له دالة على الله إذا خالف. وذلك درس لنا أيتها الأمة وتوطئة لما سيأتي بعد من دروس أخرى ؛ من خلالها يتعمق في نفوس هذه الأمة : أنه لا ينبغي أن يكون في قلوب أبنائها شعور بأي نوع من أنواع الأستاذية لليهود عليها فضلا عن غيرهم. نلحظ هذا من قوله تعالى : (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ.)
وكان جل جلاله في الفاتحة علمنا أن ندعوه : (... غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ.)
لقد كان بعض الذين لهم احتكاك ببعض الأديان السابقة ، يرون لأهل هذه الأديان ميزة يظهر ذلك من بعض التعبيرات التي وردت على ألسنة بعض الأنصار رضوان الله عليهم ، ويظهر ذلك في أن قريشا في بعض الأحوال سألت بعض أهل الكتاب عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ويظهر ذلك في أن خديجة نفسها رضي الله عنها استفسرت عما حدث لرسول الله صلىاللهعليهوسلم في الغار بأن سألت ورقة بن نوفل ، وإذ جاء الإسلام تقريرا للحق وتصحيحا لكل التصورات والمعتقدات الفاسدة ومن جملتها معتقدات وتصورات أهل الكتاب ، فلا بد من أن يحرر المسلمون من مشاعر التبعية للآخرين ، ولا بد أن يربوا على الأستاذية للآخرين ، ومن ثم فإن هذا المقطع يخدم في جملة ما يخدم في هذا الشأن ، وهذه الفقرة تضع أساسا في ذلك.
تفسير الفقرة :
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) يتجه الخطاب مرة ثانية إلى بني إسرائيل بذكر النعم التي أنعمها على آبائهم وأسلافهم. (وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) : أي فضلهم على سائر الأمم من أهل زمانهم بإرسال الرسل منهم وإنزال