مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ.) أي : مظهر لا محالة ما كتمتم من أمر القتل لا يتركه مكتوما (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها.) أي : اضربوا القتيل ببعض البقرة المذكورة في الجزء الأول من القصة ، وهذا الضمير هو الذي ربط بين جزئي القصة فضربوه فحيي فأخبر عن قاتله (كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى.) أي : كهذا الإحياء يحيي الله الموتى يوم القيامة؟ (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.) أي : يريكم دلائله على أنه قادر على كل شىء فتعملون على قضية عقولكم وهي أن من قدر على إحياء نفس واحدة قدر على إحياء جميعها لعدم الاختصاص ، ثم عقب الله ـ عزوجل ـ على ما مر بقوله : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ.) أي : من بعد إحياء القتيل أو من بعد كل الآيات المارة ، ووصف القلوب بالقسوة بيان عنها أنها لم تعد تقبل موعظة ولا اعتبارا ، واستعمال حرف العطف (ثم) الذي يدل على التعقيب المتراخي يشير إلى أن المفروض أن لا تقسو قلوبهم بعد ما ذكر مما يوجب لين القلوب ورقتها كإحياء القتيل وغير ذلك من الآيات المارة. (فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً.) أي : فهي في قسوتها كالحجارة وأشد قسوة ، أو أن بعضها كالحجارة قسوة وبعضها أشد قسوة من الحجارة أي أن منهم من هو هكذا ومنهم من هو هكذا. (وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) هذا بيان لزيادة قسوة قلوبهم على الحجارة ، يعني أن من الحجارة ما فيه خروق واسعة يتدفق منها الماء الكثير ، ومنها ما ينشق انشقاقا بالطول أو بالعرض فينبع منه الماء أيضا ، وقلوبهم لا تندى ولا تنبض بقطرة خير ، ومن الحجارة ما يتردى من أعلى الجبل من خشية الله وقلوبهم لا تخشى. (وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) هذا تهديد ووعيد وفيه إشارة إلى أن قسوة القلب ينتج عنها أعمال سيئة وأن الله لا يغفل عن عمل.
فوائد :
١ ـ قالوا في خشية الحجارة وترديها ، إنه مجاز في انقيادها لأمر الله وأنها لا تمتنع على ما يريد فيها ، وقلوب هؤلاء لا تنقاد ولا تفعل ما أمرت به.
وقالوا المراد بها الحقيقة : على معنى أنه يخلق فيها الحياة والتمييز وليس شرط خلق الحياة والتمييز في الجسم أن يكون على بنية مخصوصة عند أهل السنة ، وعلى هذا قوله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ ..) (سورة الحشر) ومنه قوله عليهالسلام في الحديث الصحيح عن أحد : «هذا جبل يحبنا ونحبه» ومنه حنين الجذع المتواتر ، ومنه ما في صحيح مسلم عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن».