ـ ورد معنا في هذا الفصل قوله تعالى :
(فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) وفي ذلك ما يذكرنا بقوله تعالى في بداية سورة البقرة : (ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) فالمقطع يعمق فيما يعمق التقوى والالتزام بها ، ويعمق قضية الالتزام بالأمر وترك النهي ، وذلك تعميق للالتزام بالأمر والنهي اللذين بدأ بهما القسم كله ، (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) .. (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً ...) وقد مر معنا في المقطع الأول من القسم الأول قوله تعالى : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ ....) وقد رأينا في هذا الفصل نموذج ذلك ، والصورة الكلية للوحدة الشاملة في السورة ستتكامل معنا شيئا فشيئا فلننتقل إلى الفصل الثاني في المقطع الثالث.
الفصل الثاني في المقطع الثالث :
هذا الفصل يبدأ بقوله تعالى مخاطبا هذه الأمة :
(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ ....)
وينتهي بقوله تعالى :
(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ...)
ثم تأتي خاتمة المقطع.
فالفصل كله في قضية الإيمان.
إن مدخل المقطع قد دعا اليهود إلى الإيمان :
(وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ* وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.)
والملاحظ أن الفصل كله في هذا.
ولا نلاحظ أن المقطع تحدث عما له صلة فيما بعد ذلك من آيات المدخل وذلك ـ والله أعلم ـ لأن تنفيذ الأوامر وترك النواهي اللاحقة متوقف على قضية الإيمان ، فإذا دخلوا فيها أصبح الخطاب متوجها لهم بتلك القضايا مع المؤمنين ، وإذا لم يدخلوا في الإيمان فلا فائدة في بحثها معهم ، غير أنه من مجىء تعريف البر فيما بعد ، ندرك أن نقاشا له صلة بالمعاني المذكورة في هذا المقطع لا زال مفتوحا مع بني إسرائيل فالصلات في السورة بعيدة الأغوار.