ـ يلاحظ أنه في مدخل المقطع الثالث جاء قوله تعالى :
(وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ.)
وفي هذه الفقرة يأتي قوله تعالى :
(أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ.) ويأتي قوله تعالى :
(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً.)
إن هذا يؤكد ارتباط هذه الفقرة بما يقابلها من مدخل المقطع كما كنا تحدثنا عنه من قبل.
ـ وبعد فلأول مرة في سورة البقرة يتوجه الخطاب مباشرة إلى الأمة الإسلامية وذلك في هذه الفقرة بقولة تعالى : (أَفَتَطْمَعُونَ ..) فقد سبق من قبل خطاب لبني إسرائيل ، وقبل ذلك توجه الخطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم (وَبَشِّرِ) وقبله توجه الخطاب إلى الناس جمعيا ، وقبل ذلك خوطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم بكاف الخطاب (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) ولأول مرة يتوجه الخطاب إلينا بشكل مباشر بقوله تعالى (أَفَتَطْمَعُونَ ...) وذلك بعد مجموعة الدروس التي أخذتها الأمة في سورة البقرة ، وكأن الدروس الماضية كافية لإيجاد نضج خاص في الذات العامة للأمة ، والخطاب في هذه الفقرة هو في حقيقته درس في المواجهة بين هذه الأمة واليهود ، بعد أن اتضحت إلى حد كبير الصورة التاريخية لليهود ، وفي هذا الدرس تتقرر مجموعة حقائق لها علاقة باليهود ، ومواقفهم ، وأسبابها ، والرد عليهم ، وتأنيبهم وغير ذلك ، ففي هذه الفقرة إذن يتجه السياق لخطاب هذه الأمة ؛ لتضع قدمها حيث ينبغي أن توضع في آرائها بالآخرين ، وفي مواقفها ، وفي معرفة أعدائها وتحليل مواقفهم ، وذلك كله يؤكد ما ذكرناه من قبل أن هذا المقطع إنما يقدم لأمتنا نموذجا على أمة أنزل عليها الوحي ، وكيف كان موقفها من ذلك ليعطيها دروسه ، ولكن في الوقت نفسه فإن المقطع يخدم قضايا أخرى كثيرة منها : دعوة بني إسرائيل ، وإقامة الحجة عليهم ، ومنها توضيح صراط المغضوب عليهم والضالين لتجتنب ، ومنها ومنها مما لا يحيط بأسراره إلا الله ، ثم يأتي من أعداء الله من يتساءل أين الصلات بين الآيات في السورة الواحدة والصلة بين السور في القرآن ، ألا إنه العمى وحده هو الذي يجعل هؤلاء لا يبصرون عمق الصلات.
ـ قد يكون مناسبا قبل أن نبدأ عرض الفقرة أن نذكر بعض ملامح الشخصية اليهودية مما وضحه لنا الفصل الأول :