٤ ـ قلنا : إن هذا الفصل يفصل ويعلل لما يقابله من الأوامر والنواهي التي وردت في مدخل المقطع وهي :
(وَآمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ* وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ* وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) وهذه الفقرة ختمت بقوله تعالى (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) ... فالفقرة تبين أن اليهود اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا ، وخلطوا الحق بالباطل ، وأنهم نقضوا الميثاق في قضية الصلاة والزكاة والتوحيد واتباع الهدى المنزل عليهم ، وهذا كله يقتضي تجديد المطالبة بالأوامر والنواهي التي أهملوها ، وكان ذلك من خلال رسالة جديدة ودعوة جديدة.
٥ ـ وقصة آدم انتهت كما رأينا بقاعدة (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) وفي هذه الفقرة يرينا الله عزوجل موقف هؤلاء مما طالبهم الله عزوجل به من الهدى وخيانتهم في ذلك واستحقاقهم بذلك عذاب الله.
وفيما قبل قصة آدم :
ذكر من صفات المتقين في مقدمة سورة البقرة : الإيمان والصلاة والإنفاق واتباع الكتاب ، ثم جاءت دعوة عامة للتوحيد والعبادة ، وجاء تحذير من نقض العهد والإفساد في الأرض وقطع ما أمر الله به أن يوصل ، ونلاحظ أن هذه الفقرة أعطتنا درسا في ذلك كله بينت لنا أن بني إسرائيل أمروا بعبادة الله وبالصلاة والزكاة فأعرضوا إلا قليلا ، وأن بني إسرائيل طبقوا بعض الكتاب وأهملوا بعضه الآخر ، وأنهم نقضوا العهد والميثاق مع الله ، وكيف أنهم يقتلون أنفسهم وهو إفساد ، وكيف أنهم لا يقومون بحق أخوة الإيمان وهو قطع لما أمر الله به أن يوصل ، وهكذا نجد أن الفقرة مرتبطة بما قبلها مباشرة من الآيات ، وتخدم في سياق فصلها وفي سياق مقطعها ، وتخدم في تعميق معاني كل المقاطع السابقة عليها ، وتخدم في تعميق معاني مقدمة السورة وهي تأتي حلقة في سلسلة ، فهي بمثابة المكمل لما سبق والمقدمة لما لحق.
٦ ـ يلاحظ أنه بعد مدخل المقطع الأول جاء خطاب لبني إسرائيل وجاءت موعظة ثم بدأ التذكير بالنعم ، والملاحظ أن الموعظة انتهت بقوله تعالى (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) وهنا تختم الفقرة بقوله تعالى (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ فَلا يُخَفَّفُ