علينا أمم الكفر ، حتى سلط علينا اليهود أذل خلق ، وتلك عقوبة نسيان جزء من كتاب الله :
(أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) وها نحن نلنا خزي الدنيا ونعوذ بالله من ذلك ومن عذاب الآخرة ، (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ) إنه لا خلاص لنا مما نحن فيه بالدنيا ، ولا نجاة لنا في الآخرة ، إلا بالعودة الكاملة لكتاب الله ، بتطبيقه كله ، في محيط الفرد ، والأسرة ، والدولة ، والأمة. وإلا فإن الذلة مستمرة ، وكل محاولة للخروج منها عن غير هذا الطريق محاولة فاشلة. قال عمر رضي الله عنه : «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ، فمهما ابتغينا العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله» ، وقد رأينا أن سبب التطبيق الجزئي هو استحباب الدنيا على الآخرة ، فبداية الدواء إذن أن نغرس في قلب المسلم تفضيل الآخرة على الدنيا ، وأن نغرس في قلبه حب الآخرة ، وطريق ذلك العلم بالكتاب والسنة ، والعمل ، ومجالسة الصالحين من عباد الله.
كلمة في السياق :
بقيت عندنا فقرتان من الفصل الثاني في المقطع الثالث ثم خاتمة المقطع ، والحقيقة أن هاتين الفقرتين بمثابة جولتين في النقاش المباشر مع بني إسرائيل ، فهما من ناحية امتداد للفصل الثاني ، لأنهما نقاش في قضية الإيمان ، ومن ناحية أخرى فهما يشبهان أن يكونا فصلا جديدا في المقطع ، فهما يمثلان استمرارية من ناحية ، واستقلالية من ناحية أخرى ، ولذلك فسنعرضهما على أنهما جولتان في هذا الفصل ، مع اعتبارنا إياهما فقرتين من فقرات أربع تشكل الفصل الثاني كما رأينا من قبل.
الفقرة الثالثة من الفصل الثاني
تمتد هذه الفقرة من الآية (٨٧) إلى نهاية الآية (١٠٣) وهذه هي :
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ (٨٧) وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً ما يُؤْمِنُونَ (٨٨) وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ