فالفقرة هذه إذن تناقش مواقفهم من الدعوة الموجهة إليهم ، ومن قبل كان عرض لمواقفهم ، فهناك عرض ، وههنا حوار مباشر.
٤ ـ يلاحظ أن المعاني في الفقرة تتعانق ومن ثم تتكرر بدايات بعينها ، فالآية الأولى في الفقرة مبدوءة بقوله تعالى (وَلَقَدْ) وكذلك الآية (٩٢) وكذلك الآية (٩٩) والآية (٨٩) مبدوءة بكلمة (وَلَمَّا) وكذلك الآية (١٠١) وفي الفقرة ورد قوله تعالى (أَفَكُلَّما) وبعد اثنتي عشرة آية قوله تعالى (أَوَكُلَّما) وهذا كله يعطينا مؤشرات على وحدة الفقرة كما سنرى.
٥ ـ ومن خلال النقاش الطويل مع بني إسرائيل في قضية الإيمان بالقرآن والهدى المنزل من الله عزوجل ، تتضح للمسلم مجموعة الأمور التي تصرف عن الإيمان بالقرآن ، ويتعمق لديه حس المعرفة بالطبيعة اليهودية العابثة التي ستكون بينها وبين المسلمين مواجهات خلال العصور.
والفقرة مع تعانق معانيها فإنها تكاد تنقسم إلى ثلاث مجموعات ، كل مجموعة فيها درس ، بل دروس ، ولنبدأ عرض المجموعة الأولى :
المجموعة الأولى :
(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أي التوراة (وَقَفَّيْنا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ) أي وأرسلنا على أثره الكثير من الرسل ، يقال قفاه به إذا أتبعه إياه ، (وَآتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ) أي المعجزات الواضحات ، كإحياء الموتى ، وإبراء الأكمه ، والأبرص ، والإخبار بالمغيبات (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) أي بالروح المقدسة ، ومعنى القدس في الأصل الطهارة. وما هي هنا؟ للمفسرين أقوال ، منهم من قال : إنه جبريل ؛ لأنه يأتي بما فيه حياة القلوب ، ومنهم من قال : إنه الإنجيل ؛ لأنه كالقرآن روح من عند الله (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا.) (سورة الشورى) ومنهم من قال : إنه اسم الله الأعظم ، الذي كان يحيي به الموتي. قال ابن جرير : وأولى التأويلات في ذلك بالصواب قول من قال : الروح في هذا الموضع جبريل .. أقول ويؤيد هذا الاتجاه قول الله تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ ..) (سورة الشعراء) فسمى جبريل في هذه الآية روحا ، ويؤيد هذا الاتجاه ما رواه البخاري عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اللهم أيد حسان بروح القدس ؛ كما نافح عن نبيك». وفي بعض الروايات : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال لحسان : «اهجهم أو هاجهم وجبريل معك». (أَفَكُلَّما جاءَكُمْ رَسُولٌ بِما لا تَهْوى أَنْفُسُكُمُ) أي بما لا تحبه وتريده (اسْتَكْبَرْتُمْ