فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) أي تعظمتم عن القبول والمتابعة ، ففريقا كذبتموهم كعيسى ومحمد ، وفريقا تقتلونهم كز كريا ويحيى. قال الزمخشري في قوله تعالى (فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) «إنما لم يقل وفريقا قتلتم ، لأنه أراد بذلك وصفهم في المستقبل أيضا ، لأنهم حاولوا قتل النبي صلىاللهعليهوسلم بالسم والسحر».
في الآية نعت بني إسرائيل بالعتو ، والعناد ، والمخالفة ، والاستكبار على الأنبياء ، وأنهم إنما يتبعون أهواءهم ، آتى الله موسى الكتاب فحرفوه ، وبدلوه ، وخالفوا أوامره ، وأولوها ، وأرسل الرسل بعده يحكمون بشريعته ، فكانوا يعاملونهم أسوأ معاملة ، من التكذيب إلى القتل. ثم ختم الله أنبياء بني إسرائيل بعيسى عليهالسلام ، فجاء بمخالفة التوراة في بعض الأحكام ، وأعطاه الله من المعجزات الكثير وأيده بجبريل ، فاشتد تكذيب بني إسرائيل له ، وصدهم وعنادهم ، وكل هذه المواقف من الأنبياء سببه أن الأنبياء يأتونهم بالأمور المخالفة لأهوائهم وآرائهم ، فالأمر بالنسبة لهم معكوس ، إنهم بدلا من أي يضبطوا أهواءهم على شرع الله يريدون أن يكون شرع الله تابعا لأهوائهم ، وأمة هذا شأنها لا يستغرب موقفها الكافر من رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وما أشبه حال الكثيرين من أبناء عصرنا بهذا الذي عليه اليهود : إذا حدثتهم عن الإسلام بما يوافق هواهم قبلوا وإلا كذبوا ؛ وإن كان لهم سلطان قتلوا ، وما أكثر من يجعل الإسلام تابعا لأهواء الناس من الحاكمين والمحكومين ، حتى صعب على أهل الإخلاص والعلم أن يبينوا الإسلام للناس كما هو ، لكثرة مسايرة الأهواء فأين هذا من الحديث؟
«لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به».
همزة الاستفهام في قوله تعالى (أَفَكُلَّما) تفيد التوبيخ ، والتعجب ، وأي عجب أكبر من تكذيب الرسل ، وقتلهم ، والاستكبار عن متابعتهم ، والسماع لهم ، ومن يستحق اللوم أكثر من هؤلاء؟
(وَقالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ) أي هي مخلوقة مغشاة بأغطية لا يتوصل إليها ما جاء به محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولا تفقهه ، وقيل غلف تخفيف غلف جمع غلاف ، أي قلوبنا أوعية للعلوم ، فنحن مستغنون بما عندنا عن غيره ، أو أوعية للعلوم فلو كان ما جئت به حقا لقبلنا ، والقول الأول أقوى بدليل الحديث «وقلب أغلف مربوط على غلافه .. وأما القلب الأغلف فقلب الكافر» وقولهم هذا يدل على طبيعة متبجحة تتبجح بالكفر ، وتفتخر بقساوة القلب ، وما أكثر ما تجد هذا النوع من الناس (بَلْ لَعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ) أي بل طردهم وأبعدهم بسبب كفرهم الذي اختاروه لأنفسهم. هذا رد