وتفصيلاته في كتب أصول الفقه وننقل لك ههنا من كلام القرطبي في تفسيره ما يلائم حدود هذا التفسير :
قال القرطبي : «... معرفة هذا الكتاب أكيدة ، وفائدته عظيمة ، لا تستغني عن معرفته العلماء ، ولا ينكره إلا الجهلة الأغبياء ، لما يترتب عليه في النوازل من الأحكام ومعرفة الحلال من الحرام ، روى أبو البختري قال : دخل علي رضي الله عنه المسجد فإذا رجل يخوف الناس فقال : ما هذا؟ قالوا : رجل يذكر الناس فقال : ليس برجل يذكر الناس لكنه يقول : أنا فلان ابن فلان فاعرفوني ، فأرسل إليه فقال : أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ فقال : لا .. قال : فاخرج من مسجدنا فلا تذكر فيه. وفي رواية أخرى : أعلمت الناسخ من المنسوخ قال : لا قال : هلكت وأهلكت. ومثله عن ابن عباس رضي الله عليه.
قال علماؤنا .. : جائز نسخ الأثقل إلى الأخف كنسخ الثبوت لعشرة بالثبوت لاثنين (أي في القتال) ويجوز نسخ الأخف إلى الأثقل كنسخ يوم عاشوراء والأيام المعدودة برمضان على ما يأتي بيانه في آية الصيام ، وينسخ المثل بمثله ثقلا وخفة كالقبلة ، وينسخ الشىء لا إلى بدل كصدقة النجوى. وينسخ القرآن بالقرآن ... وينسخ خبر الواحد بخبر الواحد وحذاق الأئمة على أن القرآن ينسخ بالسنة وذلك موجود في قوله عليهالسلام «لا وصية لوارث» وهو ظاهر مسائل مالك ، وأبى ذلك الشافعي وأبو الفرج المالكي ... والحذاق أيضا على أن السنة تنسخ بالقرآن ، وذلك موجود في القبلة ، فإن الصلاة إلى الشام لم تكن في كتاب الله تعالى وفي قوله تعالى (في سورة الممتحنة) (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) فإن رجوعهن إنما كان بصلح النبي صلىاللهعليهوسلم لقريش ، والحذاق على تجويز نسخ القرآن بخبر الواحد عقلا ، واختلفوا هل وقع شرعا (أقول : في كون كل الحذاق هذا مذهبهم فيه نظر) ولا يصح نسخ نص بقياس إذ من شرط القياس ألا يخالف نصا ، وهذا كله في حياة النبي صلىاللهعليهوسلم وأما بعد موته واستقرار الشريعة فأجمعت الأمة أنه لا نسخ ، ولهذا كان الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به إذ انعقاده بعد انقطاع الوحي.
(وهناك) ... نسخ الحكم دون التلاوة ومثله صدقة النجوى ، وقد تنسخ التلاوة دون الحكم كآية الرجم ، وقد تنسخ التلاوة والحكم معا ومنه قول الصديق رضي الله عنه كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر» ومثله كثير.