كُنْ فَيَكُونُ) أن نذكر أن هناك اتجاهين : اتجاها يمرها كما جاءت ، واتجاها يحملها على المجاز ، مع أننا نفضل المذهب الأول في مثل هذه النصوص وذلك من أجل هذا البيان :
إن كثيرين من الناس يحملون على التأويل والتعطيل دون إدراك دقيق للتأويل المذموم ، لقد لا حظنا عند الكلام عن بني إسرائيل أن بني إسرائيل إنما ذموا بتحريفهم كلام الله على علم منهم بالتحريف (وَقَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) وسنرى عند قوله تعالى (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) أن هناك اتجاهات تقف على قوله تعالى (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) مما يدل على أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل ما تشابه من القرآن ، ولا أعرف أن اتجاها من الاتجاهات حارب التأويل إلا وقد اضطر للتأويل ، والمراد به هنا إخراج معنى اللفظ عن ظاهره إلى معنى مجازي ، ولذلك فإنني أقول :
إنه لا يصح أن يكون موقفنا تشنجيا ونحن نقرأ كلام الراسخين في العلم وهم يعرضون لنا وجهات نظرهم ، ما داموا ممن شهدت لهم الأمة بالرسوخ في العلم ويتكلمون في الحدود التي تحتملها اللغة العربية ، وبالشكل الذي لا يعارض القرآن بعضه بعضا ، أو لا تتعارض به النصوص ، ومع أنني أرجح دائما في آيات الصفات عدم التأويل مع التنزيه ، إلا أنني لا أرى مانعا من عرض اتجاهات العلماء في الفهم ومناقشتها ورؤية الحجية أو عدمها في كلامهم ، مع أنني من خلال تجربتي الشخصية وبعد التمحيص للتأويلات ومن خلال ما أفهمنيه الله عزوجل لبعض آيات الصفات أشعر أن كلام الله عزوجل عن ذاته لا يسعه إلا تعبيره عن ذاته ، فسبحانه وتعالى ما أجله وأعظم صفاته وأرفع كلماته. ولكن كما قلت فهذا لا يمنع أن نرى فهوم العلماء لكل آية ولكل حديث مهما كان ، وإني أعتقد أنه ما دام المسلم في دائرة فهوم الراسخين في العلم من هذه الأمة فيما لا يتعارض مع البديهيات ومع الإجماع فإنه لا يقرب من دائرة الضلال.
فصل في قوله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) :
هناك مجموعة من المسائل تثار أثناء الكلام عن هذه الآية منها المسائل الفقهية ومنها ما له علاقة في معرفة الذات الإلهية :
أولا : هل هذه الآية منسوخة؟ في ذلك قولان ، والذين ذهبوا إلى النسخ لهم في توجيهها قولان ، ومن محص هذه الأقوال وجد أنها لا يترتب عليها خلاف عملي إلا