وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠))
١ ـ المعاني العامة لمقدمة السورة
قسمت المقدمة الناس إلى أصناف ثلاثة : متقين وكافرين ومنافقين ، ويفهم من ذلك : أن هذا هو التقسيم المعتبر شرعا ، والذي تترتب عليه آثاره في المواقف والمواقع ، ومن المقدمة نعرف أن التقوى قضية محددة مفصلة ، والكفر قضية محددة واضحة المعالم ومفصلة ، والنفاق قضية محددة ومفصلة وله علاماته ، ومقدمة سورة البقرة ذكرت الصفات الرئيسية لأهل الإيمان ، من إيمان بالغيب ، وصلاة ، وإنفاق ، واهتداء بكتاب الله في الشأن كله ، وذكرت المظهر الأجلى للكفر في كون الكافر لا يؤثر فيه الإنذار من أهله ، وذكرت حقيقة النفاق في أن أهله يكذبون في ادعائهم الإيمان بالله واليوم الآخر ، وأن علة ذلك هي الخداع وأن سبب ذلك مرض القلب ، ثم ذكرت نماذج ثلاثة من مواقفهم ، نتعرف عليهم من خلالها ، ثم ضربت لهم مثلين ، مثلا للمنافق الخالص ، ومثلا للمنافق الذي لا زال في قلبه بقية من إيمان.
٢ ـ المعنى الحرفي للمقدمة
(الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) ، في هذا النص أربع جمل : (الم) جملة برأسها ، و (ذلِكَ الْكِتابُ) جملة ثانية ، و (لا رَيْبَ فِيهِ) جملة ثالثة و (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) جملة رابعة ، وجيء بها هكذا متناسقة بلا حرف عطف لمجيئها متآخية آخذا بعضها بعنق بعض ، فالثانية متحدة بالأولى معتنقة لها وهلم جرا إلى الثالثة والرابعة. ونبه ب (الم) على أنه الكلام المتحدى به ، ثم أشير إليه بأنه الكتاب