وإسباغ الطهور فيها ، والتشهد والصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم فيها ، كما دخل في ذلك فرضها ونفلها ودخل في قوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) النفقات الواجبة والزكاة المفروضة وأنواع الصدقات.
في هذه الآيات قضيتان : أساس وبناء ، الأساس هو : الإيمان والصلاة والإنفاق والبناء هو : اتباع الكتاب ، ومجموع ذلك هو التقوى ، وقد غفل الكثيرون عن هذا فعطل بعضهم كتاب الله وهم يظنون أنهم متقون ، وعطلوا الصلاة والإنفاق وأخلوا بالإيمان وهم يظنون أنهم متقون ، وليفهم على ضوء ذلك كله حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم المتفق عليه «بني الإسلام على خمس ...» فهناك أساس فوقه بناء ، والأساس وإن كان جزءا من البناء لكنه ركنه ، والبناء هو الأركان وما فوقها وذلك هو الإسلام.
ثم وبعد أن ذكر الله أولياءه بصفاتهم المقربة إليه ، وبين أن الكتاب هدى لهم قفى على أثره بذكر أضدادهم وهم العتاة المردة الذين لا ينفع فيهم الهدى ، (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.) الكفر : ستر الحق بالجحود ، والإنذار : التخويف من عقاب الله بالزجر عن المعاصي ، والحكمة في الإنذار مع العلم بالإصرار : إقامة الحجة ، وليكون الإرسال عاما وليثاب الرسول (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) والختم هو : التغطية ، والختم والطبع واحد ، والغشاوة : الغطاء ، والأسماع داخلة في حكم الختم لا في حكم التغشية. (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) العذاب هو : النكال والعظيم يقابل الحقير ، والمراد بالذين كفروا هنا : أناس علم الله أنهم لا يؤمنون فهؤلاء يستوي عليهم الإنذار وعدمه. قال الشيخ أبو منصور الماتريدي : «الكافر لما لم يسمع قول الحق ، ولم ينظر في نفسه وغيره من المخلوقات ليرى آثار الحدوث ، فيعلم أنه لا بد له من صانع جعل كأن على بصره غشاوة».
وبعد أن قدم الله عزوجل وصف المؤمنين في صدر السورة بأربع آيات ، ثم عرف حال الكافرين بآيتين ، ذكر حال المنافقين الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر ، ولما كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس ، أطنب في ذكرهم بصفات متعددة هنا ، كما أنزل سورة براءة وسورة المنافقين فيهم ، وذكرهم في سورة النور وغيرها من السور تعريفا لأحوالهم لتجتنب ، ويجتنب من تلبس بها أيضا ، لئلا يغتر بظاهر أمرهم المؤمنون ،