جمعا لتوبة كتمر وتمرة (١) و (ذِي الطَّوْلِ) نعت أو بدل كما تقدم ، والطّول سعة الفضل (٢) ، و (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) يجوز أن يكون مستأنفا (٣) ، وأن يكون حالا وهي حال لازمة ، وقال أبو البقاء يجوز أن يكون (٤) صفة ، وهذا على ظاهره فاسد ؛ لأن الجمل لا تكون صفة للمعارف ، ويمكن أن يريد أنه صفة لشديد العقاب ، لأنه لم يتعرف بالإضافة. والقول في (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) كالقول في الجملة قبله ويجوز أن يكون حالا من الجملة قبله (٥).
فصل
قال المفسرون : غافر الذنب ساتر الذنب وقابل التوب أي التوبة ، مصدر تاب يتوب توبا ، وقيل : التوب جمع توبة مثل : دومة ودوم ، وعومة وعوم ، وقال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : غافر الذنب لمن قال لا إله إلا الله ، وقابل التوب لمن قال لا إله إلا الله ، شديد العقاب لمن لا يقول لا إله إلا الله ، (ذِي الطَّوْلِ) ذي الغنى عمن لا يقول لا إله إلا الله. قال مجاهد : ذي الطول ذي السّعة والغنى ، وقال الحسن : ذي الفضل ، وقال قتادة : ذو النعم ، وقيل : ذو القدرة ، وأصل الطّول الإنعام الذي تطول مدّته على صاحبه ، لا إله إلا هو إليه المصير (٦). والمعنى أنه لما وصف نفسه بصفات الرحمة والفضل فلو حصل معه إله آخر يشاركه في صفة الرحمة والفضل لما كانت الحاجة إلى عبوديته شديدة فكان الترغيب والترهيب الكاملين حاصلين بسبب هذا التوحيد. وقوله (إِلَيْهِ الْمَصِيرُ) مما يقوّي الرغبة في الإقرار بالعبودية.
قوله تعالى : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) لما قرر أن القرآن كتابه أنزله ليهتدى به في الدين ذكر أقوال (٧) من يجادل لغرض إبطاله فقال (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ) أي في دفع آيات الله بالتكذيب والإنكار إلا الذين كفروا.
واعلم أن الجدال نوعان ، جدال في تقرير الحق ، وجدال في تقرير الباطل ، أما الجدال في تقرير الحق فهو حرفة الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ قال تعالى لمحمد ـ
__________________
(١) المعروف أن اسم الجنس ما يفرق بينه وبين واحده بالتاء فكان على المؤلف أن يتحرى الدقة في أسلوبه والمحققون من متأخري النحاة والكوفيون يرون أن مثل ذلك جمع تكسير مفرده بالتاء وهذا ما عليه الأخفش في معانيه ٦٧٤ ، قال : «والتوب جماعة التوبة».
(٢) وانظر مجاز القرآن ٢ / ١٩٤ واللسان طول ٢٧٢٨.
(٣) التبيان ١١٣٥.
(٤) السابق.
(٥) انظر الإعراب هذا كله في الدر المصون ٤ / ٦٧٦.
(٦) وانظر في هذا تفسير الإمام البغوي في معالم التنزيل ٦ / ٨٧ وتفسير الخازن في لباب التأويل نفس المرجع والموضع ذاته.
(٧) في ب : أحوال.