تعالى (قُرْآناً عَرَبِيًّا) ، وقوله : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ).
فصل
قالت المعتزلة : الإيمان والكفارة والصلاة والزكاة والصوم والحج ، ألفاظ شرعية لا لغوية بمعنى أن الشرع نقل هذه الألفاظ عن مسمّياتها اللّغويّة الأصلية إلى مسميات أخرى (١). وهذا باطل ، وليس للشرع تصرف في هذه الألفاظ إلا من وجه واحد ، وهو أنه خصّص هذه الأسماء بنوع معيّن من أنواع مسمّياتها ، كما أن الإيمان عبارة عن التصديق والصلاة عبارة عن الدعاء ، فخصّصه الشرع بنوع معين من الدّعاء ، وكذا القول في البواقي.
فصل
تمسك القائلون بأن أفعال الله تعالى معلّلة بالمصالح والحكمة بهذه الآية فقالوا : إنها تدل على أنه إنما جعله قرآنا عربيا لأجل أن يعلموا المراد منه ، فدل على أنّ تعليل أفعال الله وأحكامه جائز (٢).
فصل
قال قوم : القرآن كله (٣) معلوم لقوله تعالى : قرآنا عربيا لقوم يعلمون يعني إنما جعلناه عربيا ليصير معلوما والقول بأنه غير معلوم يقدح فيه.
قوله : (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) لا يصغون تكبرا. وهذه الآية تدل على أنه لا مهتدي إلا من هداه الله ، ولا مضلّ إلا من أضله الله. ولما وصف الله تعالى القرآن بأنهم أعرضوا عنه ولم يلتفتوا إليه بين أنهم صرحوا بهذه النفرة ، وذكروا ثلاثة أشياء :
أحدها : قوله : (فِي أَكِنَّةٍ) ، قال الزمخشري : فإن قلت : هلا قيل : على قلوبنا أكنة، كما قيل : وفي آذاننا وقر ليكون الكلام على نمط واحد؟ قلت : هو على نمط واحد ؛ لأنه لا فرق في المعنى بين قولك : قلوبنا في أكنة ، وعلى قلوبنا أكنة ، والدليل عليه قوله تعالى : (إنّا) (٤) جعلنا على قلوبهم ، ولو قيل : جعلنا قلوبهم في أكنة لم يختلف المعنى ، وترى المطابيع منهم لا يرون (٥) الطباق (والملاحظة) (٦) إلا في المعاني.
قال أبو حيان : و «في» هنا أبلغ من على ، لأنهم قصدوا الإفراط في عدم القبول
__________________
(١) نقله عنهم الرازي في التفسير يالكبير ٢٧ / ٩٥ و ٩٦.
(٢) السابق ٩٧.
(٣) في ب كل.
(٤) سقط من النسختين والصواب إثباتها كما في الكشاف في الآية ٥٧ من الكهف.
(٥) في الكشاف لا يدعون بدل يرون.
(٦) تصحيح من الكشاف ففي النسخ : والملاحة وانظر الكشاف ٣ / ٤٤٣.