بحصول قلوبهم في أكنة احتوت عليها احتواء الظرف على المظروف ، فلا يمكن أن يصل إليها شيء كما تقول : المال في الكيس بخلاف قولك : المال على الكيس ، فإنه لا يدل على الحصر ، وعدم الوصول دلالة الوعاء ، وأما «وجعلنا» فهو من إخبار الله تعالى فلا يحتاج إلى مبالغة (١).
وتقدم تفسير الأكنة والوقر (٢).
وقرأ طلحة بن مصرف وقر (٣) ـ بكسر الواو ـ وتقدّم الفرق بينهما.
قوله : (مِمَّا تَدْعُونا) من في «ممّا» وفي (وَمِنْ بَيْنِنا) لابتداء الغاية والمعنى أن الحجاب ابتداء منا وابتداء منك فالمسافة المتوسطة جهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لا فراغ فيها ، فلو لم تأت «من» لكان المعنى أن حجابا حاصل وسط الجهتين. والمقصود المبالغة بالتباين المفرط ، فلذلك جيء بمن (٤) قاله الزمخشري. وقال أبو البقاء : هو محصول على المعنى ؛ لأن المعنى في أكنة محجوبة عن سماع ما تدعونا إليه. ولا يجوز أن يكون نعتا لأكنّة ؛ لأن الأكنة الأغشية ، وليست الأغشية مما تدعونا (٥) إليه (٦).
فصل
وقالوا يعني المشركين قلوبنا في أكنة أغطية ، والأكنة جمع كنان ، كأغطية جمع غطاء ، والكنان هو الذي يجعل فيه السهام ، والمعنى لا نفقه ما تقول ، وفي آذاننا وقر أي صمم فلا نسمع ما تقول ، والمعنى : إنا في ترك القبول عنك بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع ومن بيننا وبينك حجاب ، خلاف في الدين ، فلا نوافقك على ما تقول فاعمل أنت على دينك إنّا عاملون على ديننا (٧).
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩)
__________________
(١) بتصرف من البحر المحيط ٧ / ٤٨٤ وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٨١٧.
(٢) يشير إلى قوله : «وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً» [الأنعام : ٢٥] وبين هناك أن الكنان هو الوعاء الجامع ، والغطاء الساتر ، والوقر هو الثقل في الأذن ، والوقر بكسر الواو الحمل للحمار والبغل. بتصرف من اللباب ميكروفيلم.
(٣) من القراءة الشاذة غير المتواترة ذكرها صاحب الكشاف ٣ / ٤٤٢ ، ومختصر ابن خالويه ١٣٣ والبحر المحيط ٧ / ٤٨٣.
(٤) الكشاف ٣ / ٤٤٢ ، ٤٤٣.
(٥) في ب تدعون تحريف.
(٦) التبيان ١١٢٣.
(٧) البغوي في معالم التنزيل ٦ / ١٠٥.