وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)(١٢)
قوله تعالى : (قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ) قرأ ابن وثاب والأعمش : «قال» فعلا ماضيا خبرا عن الرسول (١). والرسم يحتملهما. وقد تقدم مثل هذا في الأنبياء (٢) وآخر المؤمنين (٣). وقرأ الأعمش والنّخعيّ يوحي بكسر (٤) الحاء ؛ أي الله تعالى ، والمعنى إنّما أنا بشر مثلكم أي كواحد منكم لولا الوحي ما دعوتكم (أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) قال الحسن ـ رضي الله عنه ـ علّمه الله التواضع.
قوله : (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) عدّي بإلى ؛ لتضمنه معنى توجّهوا والمعنى وجّهوا استقامتكم إليه بالطاعة ولا تميلوا عن سبيله (وَاسْتَغْفِرُوهُ) من ذنوبكم (٥).
قوله : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : الذين لا يقولون لا إله إلا الله ، وهي زكاة الأنفس. والمعنى لا يطهّرون أنفسهم من الشّرك بالتوحيد ، وهو مأخوذ من قوله : «ونفس وما زكّاها». وقال الحسن وقتادة : لا يقرّون بالزكاة ولا يرون إيتاءها واجبا ، وكان يقال : الزكاة قنطرة الإسلام ، فمن قطعها نجا ، ومن تخلف عنها هلك. وقال الضحاك ومقاتل : لا ينفقون في الطاعة ولا يتصدقون ، وقال مجاهد : لا يزكون أعمالهم (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ)(٦).
فصل
احتج من قال : إن الكفار مخاطبون بفروع الإسلام بهذه الآية ، فقالوا : إنه تعالى توعدهم بأمرين :
أحدهما : كونهم مشركين.
والثاني : لا يؤتون الزكاة ، فوجب أن يكون لكل واحد من هذين تأثير عظيم في حق وصول الوعيد ، وذلك يدل على أن لعدم ايتاء الزكاة من المشرك تأثير عظيم في زيادة الوعيد وهو المطلوب (٧).
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٤٨٤ والإتحاف ٣٨٠ ، والكشاف ٣ / ٤٤٤.
(٢) يريد قوله : «قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ» [الأنبياء : ١١٢] وقراءة الماضي هي قراءة حفص والباقون قل.
(٣) قوله : «قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ» [المؤمنون : ١١٢] ، وانظر اللباب ٦ / ١١٨ ب.
(٤) شاذة غير متواترة مختصر ابن خالويه ١٣٣.
(٥) قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٤٨٤.
(٦) ذكر هذه الأقوال أبو حيان في مرجعه السابق والبغوي في معالم التنزيل ٦ / ١٠٤.
(٧) الرازي ٢٧ / ١٠٠.