فصل
احتج بعضهم على أن مانع الزكاة كافر بهذه الآية فقال : إن الله تعالى لما ذكر هذه الصفة ذكر قبلها ما يوجب الكفر وهو قوله : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) وذكر بعدها ما يوجب الكفر وهو قوله : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) فلو لم يكن منع الزكاة كفرا لكان ذكره فيما بين الصفتين (١) الموجبتين للكفر قبيحا ؛ لأن الكلام إنما يكون فصيحا إذا كانت المناسبة مرعية بين أجزائه ، ثم أكدوا ذلك بأن أبا بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ حكم بكفر مانعي الزكاة (٢). قال ابن الخطيب : والجواب أنه ثبت بالدليل أن الإيمان عبارة عن التصديق بالقلب ، والإقرار باللسان ، وهما حاصلان عند عدم إيتاء الزكاة ، فلم يلزم حصول الكفر بسبب عدم إيتاء الزكاة والله أعلم(٣).
قوله : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ غير مقطوع (٤) ، من قولك : مننت الحبل أي قطعته ، ومنه قولهم : «قد منّه السّفر» أي قطعه (٥) وأنشدوا :
٤٣٥٢ ـ فضل الجواد على الخيل البطاء فلا |
|
يعطي بذلك ممنونا ولا نزقا (٦) |
وقال مقاتل : غير منقوص ، ومنه المنون لأنه ينقص منة الإنسان وقوته ، وأنشدوا لذي الإصبع العدواني :
٤٣٥٣ ـ إنّي لعمرك ما بابي بذي غلق |
|
على الصّديق ولا خيري بممنون (٧) |
وقيل : غير ممنون به عليهم ؛ لأن عطاء الله لا يمنّ به إنما يمنّ المخلوق. وقال مجاهد : غير محسوب وقال السّدّيّ : نزلت هذه الآية في المرضى والزّمنى والهزمى إذا عجزوا عن الطاعة يكتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعملون فيه (٨).
روي عن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن العبد إذا
__________________
(١) كذا في الرازي وفي النسختين الوصفين الموجبين.
(٢ و ٣) انظر الرازي ٢٧ / ١٠٠.
(٤) نقله البغوي في تفسيره ٦ / ١٠٤.
(٥) نقله صاحب اللسان (منن) ٤٢٧٧.
(٦) من البسيط لزهير بن أبي سلمى من قصيدة في مدح هرم بن سنان ، ويروى : الجياد بدل الجواد والبطاء البطيئة ، والنزق الخفيف الطائش ، والممنون المقطوع يقول : إن فضله على غيره مثل فضل الجياد على الخيل البطاء. وشاهده : أن الممنون بمعنى المقطوع وانظر اللسان بطأ ٢٩٩ والبحر المحيط ٧ / ٤٨٥ والدر المصون ٤ / ٧١٩ ، والقرطبي ١٥ / ٣٤١ ، وديوانه ٤٩.
(٧) من البسيط كسابقه وشاهده كسابقه أيضا في أن الممنون معناه المقطوع والغلق ـ بالتحريك ـ ما يغلق به الباب من الرّتاج ونحوه. ويروى : ولا زادي بممنون ، ويروى : (عن الصّديق) بدل (على الصديق) وانظر القرطبي ١٥ / ٣٤١ ، والبحر ٧ / ٤٨٥ ، وديوان الحماسة البصرية ١ / ٢٢٤ ، والدر المصون ٤ / ٧١٨ ، وديوان المفضليات ٤٢٢ و ٣٢٧ وفتح القدير ٤ / ٥٠٦ هو وما قبله.
(٨) البغوي ٦ / ١٠٥ والقرطبي ١٥ / ٣٤١ و ٣٤٢ والخازن ٦ / ١٠٤.