ذلك. والدّخان : هو ما ارتفع عن لهب النار (١). ويستعار لما يرى من بخار الأرض عند جدبها وقياس جمعه في القلة أدخنة وفي الكثرة دخيان ، نحو : غراب وأغربة وغربان وشذوا في جمعه على : دواخن (٢) ، قيل : هو جمع داخنة تقديرا على سبيل الإسناد المجازيّ ، ومثله عثان وعواثن (٣).
وقوله : و (هِيَ دُخانٌ) من باب التشبيه الصّوري ؛ لأن صورتها صورة الدّخان في رأي العين (٤).
فصل
قال المفسرون : هذا الدخان بخار الماء ، وذلك أن عرش الرحمن كان على الماء قبل خلق السماوات والأرض ، كما قال تعالى : (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) [هود : ٧]. ثم إن الله تعالى أحدث في ذلك الماء اضطرابا فأزبد (٥) وارتفع ، وخرج منه دخان فأما الزّبد فبقي على وجه الماء فخلق منه اليبوسة وأحدث منه الأرض ، وأما الدخان فارتفع وعلا فخلق منه السّموات.
فإن قيل : قوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) يشعر بأن تخليق السماء حصل بعد تخليق الأرض (٦) ، وقوله تعالى (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النازعات : ٣٠] يشعر بأن تخليق الأرض حصل بعد تخليق السماء وذلك يوجب التناقض!
فالجواب : المشهور أن يقال : إنه تعالى خلق الأرض أولا ، ثم خلق بعده السماء ، ثم بعد أن خلق السماء دحى (٧) الأرض ، وبهذه الطريق يزول التناقض. قال ابن الخطيب : وهذا الجواب عندي مشكل من وجوه (٨) :
الأول : أنه تعالى خلق الأرض في يومين ، ثم إنه في اليوم الثالث جعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها ، وهذه الأحوال لا يمكن إدخالها في الوجود ، إلا بعد أن صارت الأرض منبسطة ثم إنه تعالى قال بعد ذلك : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) فهذا
__________________
(١) اللسان (دخن) ١٣٤٤ ، وانظر معنى الاستواء السابق في الكشاف أيضا ٣ / ٤٤٥.
(٢) حيث إن فعال يكسر على أفعلة في القلة وفي الكثرة على فعلان وهو مفاد قول إمام النحاة في الكتاب ٣ / ٦٠٣.
(٣) العثان والعثن الدواخن والجمع عواثن على غير قياس ... والعواثن والدواخن لا يعرف لهما نظير اللسان (عثن) ٢٨١٠ وانظر «ليس» لابن خالويه ١١.
(٤) الدر المصون ٤ / ٧٢٠.
(٥) أي حصل له رغوة أو كثر. انظر اللسان «زبد» ١٨٠٣.
(٦) في ب يشعر بأن تخليق الأرض حصل بعد تخليق السماء بالعكس من أ.
(٧) الدحو : البسط ، دحا الأرض يدحوها دحوا : بسطها وقال شمر : دحا الأرض : أوسعها انظر اللسان دحا ١٣٣٨.
(٨) انظر تفسير الإمام الفخر الرازي مع تغيير طفيف في الأسلوب ٢٧ / ١٠٤ و ١٠٥.