عليه الصلاة والسلام ـ (وَجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل : ١٢٥] وحكى عن قوم نوح قولهم : (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا) [هود : ٣٢]. وأما الجدال في تقرير الباطل فهو مذموم وهو المراد بهذه الآية ، وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «إنّ جدالا في القرآن كفر» (١) وروى عمرو بن شعيب (٢) عن أبيه عن جده قال : سمع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قوما يتمارون فقال : إنما هلك من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب الله عزوجل بعضه ببعض ، وإنما نزل كتاب الله يصدّق بعضه بعضا فلا تكذبوا بعضه ببعض فما علمتم منه فقولوه ، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه (٣) ، وقال تعالى : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) [الزخرف : ٥٨] وقال : (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَ) [غافر : ٥].
قوله (فَلا يَغْرُرْكَ) قرأ العامة بالفك وهي لغة الحجاز ، وزيد بن عليّ وعبيد بن عمير فلا يغرّك بالإدغام مفتوح (٤) الراء وهي لغة تميم.
فصل
جدالهم في آيات الله هو قولهم مرة سحر ، ومرة هو شعر ، ومرة إنه قول الكهنة ، ومرة إنه أساطير الأولين ، ومرة إنه يعلّمه بشر ، وقولهم : (ما أَنْتُمْ (٥) إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) أأنزل علينا الملائكة (٦) ، وأشباه هذا.
ثم قال : (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) أي لا تغترّ بأني أمهلتهم وتركتهم سالمين في أبدانهم وأموالهم يتقلبون في البلاد أي يتصرفون فيها للتجارات وطلب المعاش فإني وإن أمهلتهم فإني سآخذهم وأنتقم كما فعلت بالأمم الماضية.
ثم كشف عن هذا المعنى فقال (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ) وهم الكفار الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب من بعد قوم نوح (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) ، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : ليقتلوه ويهلكوه وقيل : ليأسروه (٧). وقرأ عبد الله برسولها (٨) ، أعاد الضمير على لفظ «الله» والجمهور على معناها ، وفي قوله
__________________
(١) الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده ٢ / ٢٥٨ ، ٤٧٨ ، ٤٩٤.
(٢) ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص السهمي أبو إبراهيم المدني نزيل الطائف عن أبيه عن جده وطاوس وعنه عمرو بن دينار وقتادة وخلق مات سنة ١١٨ ه (انظر خلاصة الكمال ٢٩٠.
(٣) أخرجه البغوي هو وما قبله في تفسيره ٦ / ٨٨ وروى ما قبله عن أبي هريرة.
(٤) ذكرها أبو حيان في البحر ٧ / ٤٤٩ والزمخشري في الكشاف بدون نسبة ٣ / ٤١٤ ، ٤١٥ وهي من الشواذ.
(٥) في ب : ما أنت بالإفراد.
(٦) وفيها : لو لا أنزل علينا الملائكة وهي الموافقة لما في المصحف.
(٧) ذكر ذلك البغوي في تفسيره ٦ / ٨٨.
(٨) ذكرت في البحر ٧ / ٤٤٩ والدر المصون ٤ / ٦٧٦ ومعاني الفراء ٣ / ٥ وهي من الشواذ.