«قالتا» أي قالت السماء والأرض ، وقال ابن عطية : (رحمة الله عليه) (١) أراد الفرقتين المذكورتين (٢) ، جعل السماوات سماء والأرضين أرضا كقوله :
٤٣٥٤ ـ ألم يحزنك أنّ حبال قومي |
|
وقومك قد تباينتا انقطاعا (٣) |
عبر عنهما «بتباينتا». قال أبو حيان وليس كما ذكر لأنه لم يتقدم إلا ذكر الأرض مفردة والسماء مفردة فلذلك حسن التعبير بالتثنية.
وأما البيت فكأنه قال : حبلي قومي وقومك ، وأنث في تباينتا على المعنى ؛ لأنه عنى بالحبال المودة (٤). قوله : «طائعين» في مجيئه مجيء جمع المذكورين العقلاء وجهان :
أحدهما : أن المراد يأتينا من فيهما من العقلاء وغيرهم ، فلذلك غلّب العقلاء على غيرهم ، وهو رأي الكسائيّ.
والثاني : أنه لما عاملهما معاملة العقلاء في الإخبار عنهما ، والأمر لهما جمعهما كجمعهم ، كقوله : (رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ)(٥) وهل هذه المحاورة حقيقية أو مجازا وإذا كانت مجازا فهل هو تمثيل أو تخييل؟ خلاف (٦).
فصل
ظاهر هذا الكلام يقتضي أن الله تعالى أمر السماء والأرض بالإيمان فأطاعوه وهذا ليس بمستبعد كما أن الله تعالى أنطق الجبال مع داود ـ عليه الصلاة والسلام ـ فقال : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ) [سبأ : ١٠] وأنطق الأيدي والأرجل ، فقال : (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النور : ٢٤] وقوله : (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) وإذا كان كذلك فكيف يستبعد أن يخلق الله تعالى في ذات السماوات والأرض حياة وعقلا ثم يوجه التكليف عليهما؟ ويؤكد هذا وجوه :
الأول : أن الأصل حمل اللفظ على ظاهره ، إلا إن منع منه مانع ، فههنا لا مانع.
__________________
(١) زيادة من أ.
(٢) البحر المحيط المرجع السابق.
(٣) من تمام الوافر للقطامي وهو من الاستعطاف والتوسل.
وشاهده : «تباينتا» حيث جعل حبال قومه وحبال قومها كل جماعة ، وثنى هذا بقوله تباينتا أي الجماعتان ولو أراد جمع التكسير أو لفظ الجمعية لقال تباينت وانظر البحر المحيط ٧ / ٤٨٧ والدر المصون ٤ / ٧٢١ ، وديوانه ٣٧.
(٤) بالمعنى من البحر المرجع السابق.
(٥) يوسف ٤. وانظر الرأيين في معاني الفراء ٣ / ١٣ والثاني في بيان ابن الأنباري ٢ / ٣٣٧ ومعاني الزجاج ٤ / ٣٨١.
(٦) هناك من قال بالحقيقة وهناك من قال بالتخييل انظر الكشاف ٣ / ٤٥ والقرطبي ١٥ / ٣٤٤.