الثاني : أنه تعالى جمعهما جمع العقلاء فقال : (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ).
الثالث : قوله : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها) وهذا يدل على كونها عارفة بالله ، عالمة بتوجه تكليف الله تعالى.
وأجاب ابن الخطيب عن هذا القول : بأن المراد من قوله : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) الإثبات إلى الوجود والحدوث والحصول ، فعلى هذا التقدير فحال (١) توجه (٢) هذا الأمر كانت السماوات والأرض معدومة ، إذ لو كانت موجودة فذلك لا يجوز ، فثبت أن حال توجه هذا الأمر عليها كانت معدومة ، وإذا كانت معدومة لم تكن فاهمة ، ولا عارفة للخطاب ، فلم يجز توجّه الأمر عليها (٣).
فصل (٤)
روى مجاهد وطاوس عن ابن عباس أنه قال : قال الله للسماوات والأرض أخرجا ما فيكما من المنافع ومصالح العباد ، أما أنت يا سماء فأطلعي شمسك وقمرك ونجومك ، وأنت يا أرض فشقّقي أنهارك وأخرجي ثمارك ونباتك ، وقال لهما : افعلا ما آمركما طوعا ، وإلا ألجأتكما إلى ذلك (حتى) (٥) تفعلا (ه) (٦) فنقول : فعلى هذا التقدير لا يكون المراد من قوله : أتينا طائعين حدوثهما في ذاتهما ، بل يصير المراد من هذا الأمر أن يظهرا ما كان مودعا فيهما ، وهذا باطل ؛ لأنه تعالى قال : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) وذلك يدل على أن حدوث السماء إنما حصل بعد قوله : (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً)(٧).
فصل
اعلم أن المقصود من هذا الكلام إظهار كمال القدرة ، والتقدير ائتيا شئتما ذلك أو أبيتما كما يقول الجبار لمن تحت يده : لتفعلن هذا شئت أو أبيت ، ولتفعلنّه طوعا أو كرها.
وقيل : إنّه تعالى ذكر السماء والأرض ، ثم ذكر الطوع والكره فوجب أن ينصرف الطوع إلى السماء والكره إلى الأرض ، وتخصص السماء بالطوع لوجوه :
أحدها : أن السماء في دوام حركتها على نهج واحد لا يختلف تشبه حيوانا مطيعا لله عزوجل بخلاف الأرض فإنها مختلفة الأحوال ، تارة تكون ساكنة ، وتارة تضطرب.
وثانيها : أن الموجود في السماء ليس إلا الطاعة ، قال تعالى : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ
__________________
(١) كذا في الرازي وفي ب محال تحريف.
(٢) كذا في النسختين توجه مصدرا لتوجّه وفي الرازي : توجيه.
(٣) انظر الرازي ٢٧ / ١٠٨.
(٤) في ب وقيل بدل من «فصل».
(٥) سقط من أالأصل.
(٦) كذلك زيادة من ب وانظر معالم التنزيل للبغوي ٦ / ١٠٦.
(٧) الرازي في تفسيره ٢٧ / ١٠٨ وهو رأي له.