الثالث : أنه صفة لصاعقة الأولى.
الرابع : أنه حال من «صاعقة» الثانية ، قالهما أبو البقاء (١). وفيه (٢) نظر إذ الظاهر أن الصاعقة جثة وهي قطعة نار تنزل من السماء فتحرق كما تقدم تفسيرها ، ولا يقع الزمان صفة لها ، ولا حالا عنها ، وتأويلها بمعنى العذاب إخراج لها عن مدلولها من غير ضرورة ، وإنما جعلها وصفا للأولى ، لأنها نكرة ، وحالا من الثانية لأنها معرفة لإضافتها إلى علم ، ولو جعلها حالا من الأولى لأنها تخصصت بالإضافة لجاز. فتعود الأوجه خمسة.
قوله : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) الظاهر أن الضميرين عائدان على عاد وثمود (٣). وقيل : الضمير في «خلفهم» يعود (٤) على الرسل واستبعد هذا من حيث المعنى ؛ إذ يصير التقدير : جاءتهم الرسل من خلف الرسل أي من خلف أنفسهم ، وقد يجاب عنه بأنه من باب : درهم ونصفه ، أي ومن خلف رسل آخرين (٥).
قوله : «أن لا (تَعْبُدُوا) يجوز في «أن» ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون المخففة من (٦) الثقيلة ، واسمها ضمير الشأن محذوف ، والجملة النهيية بعدها خبر ، كذا أعربه أبو حيان وفيه نظر من وجهين :
أحدهما : أن المخففة (من الثقيلة) لا يقع بعدها فعل إلا من أفعال اليقين.
والثاني : أن الخبر في باب إن وأخواتها لا يكون طلبا ، فإن ورد منه شيء أول ، ولذلك تأولوا :
٤٣٥٦ ـ إن الذين قتلتم أمس(٧)سيدهم |
|
لا تحسبوا ليلهم عن ليلكم ناما (٨) |
وقوله :
٤٣٥٧ ـ ولو أصابت لقالت وهي صادقة |
|
إن الرياضة لا تنصبك للشيب (٩) |
__________________
(١) التبيان المرجع السابق.
(٢) الدر المصون ٤ / ٧٢٣.
(٣) نقله الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٧ والبغوي ٦ / ١٠٦.
(٤) نقله أبو زكريا الفراء في معاني القرآن ٣ / ١٣.
(٥) قال بهذا الاعتراض والجواب أبو حيان في البحر المحيط ٧ / ٤٨٨ ، ونقله عنه تلميذه الشهاب السمين في الدر المصون ٤ / ٧٢٣ ، ٧٢٤.
(٦) أحد قولي الزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٨ وأحد أقوال البحر المحيط لأبي حيان أيضا ٧ / ٤٨٩.
(٧) في ب بالأمس.
(٨) من البسيط لأبي مكعت. وشاهده : «لا تحسبوا» جملة نهيية طلبية مؤلة بالخبر ، حيث هي واقعة خبرا لإن المخففة من الثقيلة على إضمار القول. وقد تقدم.
(٩) من البسيط كسابقه وهو للجميع بن منقذ ، وشاهده : «لا تنصبك» فهذه جملة طلبية ليست خبرا لإن ولكنها مدخول عليها بقول مضمر هو الخبر وقد تقدم.