فالجواب : هذا ورد على قانون قولنا : الله أكبر (١) ، ثم قال : (وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ) والمعنى أنهم يعرفون أنها حق ولكنهم يجحدونها كما يجحد المودع الوديعة (٢).
واعلم أنّ نظم الكلام أن يقال : أما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وكانوا بآياتنا يجحدون ، وأما قولهم : من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة (٣) اعتراض وقع في البين (٤) لتقرير السبب الداعي لهم إلى الاستكبار.
قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ)(١٩)
قوله : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) الصّرصر : الريح الشديدة ، فقيل : هي الباردة من الصّرّ وهو البرد (٥) ، وقيل : هي الشديدة السّموم (٦) ، وقيل : هي المصوّتة (٧) من صرّ الباب أي سمع صريره. والصّرّة : الصّيحة ومنه : (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) [الذارايات : ٢٩] قال ابن قتيبة «صرصر» يجوز أن يكون من الصّرّ وهو البرد ، وأن يكون من صرّ الباب ، وأن يكون من الصّرّة ومنه : (فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ)(٨) [الذاريات : ٢٩].
وقال الراغب : صرصر لفظه من الصّر وذلك يرجع إلى الشد لما في البرودة من التعقيد (٩).
قوله : في أيّام نحسات قرأ الكوفيون وابن عامر بكسر الحاء والباقون بسكونها (١٠).
__________________
(١) أي أن أفعل ليست للتفضيل فهو هنا بمعنى كبير كالبيت المشهور : «وإن مدّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن بأعجلهم .... البيت».
(٢) قاله الرازي ٢٧ / ١١٢ والزمخشري في الكشاف ٣ / ٤٤٩.
(٣) من لفظ «بين» الظرفية.
(٤) الرّازي السابق.
(٥) نقله القرطبيّ عن عكرمة وسعيد بن جبير.
(٦) نقله أيضا عن مجاهد وانظر القرطبي ٥ / ٣٤٩ والبحر ٧ / ٤٩٠.
(٧) هذا قول أبي عبيدة في المجاز ٢ / ١٩٧.
(٨) لم أجد هذا بعينه لابن قتيبة في الغريب أو تأويل المشكل ومما وجدته عنه أنه فسر الصّر بالبرد والصرة بالصيحة وهنا الصرصر بالشديدة وانظر غريب القرآن لابن قتيبة ١٠٩ و ٤٢١ و ٣٨٨ ، وانظر أيضا اللسان صرر ، ومعاني القرآن للزّجاج ٤ / ٣٨٢.
(٩) مفردات القرآن ٢٧٩.
(١٠) من القراءة المتواترة وذكرها ابن مجاهد في السبعة ٥٧٦ ، وابن الجزري في النشر ٢ / ٣٦٦ وتقريبه ١٧٠.