الرابع : عن أن يشهد أي ما كنتم تمتنعون (١) ولا يمكنكم الاختفاء عن أعضائكم والاستتار عنها.
الخامس : أنه ضمن معنى الظن (٢) وفيه بعد.
فصل
معنى الكلام أنهم كانوا يستترون عند الإقدام على الأعمال القبيحة ؛ لأن استتارهم ما كان لأجل قولهم من أن يشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم لأنهم كانوا منكرين للبعث والقيامة ، وذلك الاستتار لأجل أنهم كانوا يظنون أن الله لا يعلم الأعمال التي يخفونها. روي عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : كنت مستترا بأستار الكعبة فدخل ثلاثة نفر ثقفيان وقرشيّ أو قرشيان وثقفي كثير شحم بطونهم ، قليل فقه قلوبهم ، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر : يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا ، وقال الآخر : إن كان يسمع إذا جهرنا سمع إذا أخفينا. فذكرت ذلك لرسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فأنزل الله (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ ...) الآية (٣). قيل: الثقفي عبد (٤) ياليل وختناه القرشيان ربيعة وصفوان بن أمية.
قوله : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ) فيه أوجه :
أحدها : أن «ذلكم» رفع بالابتداء و «ظنكم» خبره و (الَّذِي ظَنَنْتُمْ) نعته «وأرداكم» حال و «قد» معه مقدرة (٥) على رأي الجمهور خلافا للأخفش (٦) ، ومنع مكي الحالية للخلو من «قد» (٧) وهو ممنوع لما تقدم.
__________________
(١) هذا رأي ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٣٩.
(٢) نقله السمين في الدر المصون ٤ / ٧٢٩ نقلا عن أبي حيان في بحره فقد قال في البحر : «وعبر قتادة عن تستترون بتظنون أي وما كنتم تظنون أن يشهدوا» المرجع السابق ٧ / ٤٩٣.
(٣) ذكره السيوطي في أسباب النزول ٢ / ١٤٩ وانظر أيضا معالم التنزيل للبغوي ٦ / ١٠٩ ولباب التأويل للإمام الخازن ٦ / ١٠٩ أيضا.
(٤) هو عبد بن ياليل بن ناشب بن غيرة الليثي من بني سعد بن ليث شهد بدرا وتوفي في آخر خلافة عمر وكان شيخا كبيرا انظر أسد الغابة ٣ / ٣٣٤.
(٥) ذكر هذا الإعراب أبو البقاء العكبري في التبيان ١١٢٥.
(٦) مع الكوفيين فإنهم لن يشترطوا وجود «قد» مع الفعل الماضي الواقع حالا فحجتهم أن كل ما جاز أن يقع صفة للنكرة ، نحو مررت برجل قاعد جاز أن يكون حالا من المعرفة مثل : مررت بالرجل قاعدا والفعل الماضي يقع وصفا للنكرة نحو : مررت برجل قعد فينبغي أن يقع حالا للمعرفة نحو : مررت بالرجل قعد. وقد ذكر هذه القضية ابن الأنباري في الإنصاف المسألة رقم ٣٢ (٢٥٢ و ٢٥٨) وانظر أيضا الهمع ١ / ٢٤٧ ، ورأي الأخفش قد وافق عليه أبو حيان من المتأخرين قال في الهمع : قال أبو حيان : والصحيح جواز وقوع الماضي حالا بدون قد ولا يحتاج إلى تقدير.
(٧) قال في المشكل ٢ / ٢٧٢ وقال الفراء «أرداكم» حال والماضي لا يحسن أن يكون حالا عند البصريين إلا على إضمار «قد».