وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧) رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(٩)
قوله (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ) مبتدأ و «يسبّحون» خبره ، والعامة على فتح عين العرش وابن عباس في آخرين بضمّها (١). فقيل : يحتمل أن يكون جمعا لعرش كسقف (٢) في سقف وقوله (مَنْ حَوْلَهُ) يحتمل أن يكون مرفوع المحل عطفا على (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ) أخبر عن الفريقين بأنهم يسبحون ، وهذا هو الظاهر ، وأن يكون منصوب المحل عطفا على «العرش» يعني أنهم يحملون أيضا الملائكة الحافين بالعرش ، وليس بظاهر (٣).
فصل
لما بين أن الكفار يبالغون في إظهار العداوة مع المؤمنين بين أن أشرف طبقات المخلوقات هم الملائكة الذين هم حملة العرش والحافّون حول العرش يبالغون في إظهار المحبة والنصرة للمؤمنين ، فكأنه تعالى يقول : إن كان هؤلاء الأراذل يبالغون في العداوة فلا تلتفت (٤) إليهم ولا تقم لهم وزنا فإن حملة العرش معك ، والحافّون من حول العرش ينصرونك وهم الكروبيّون ، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمسمائة عام ، وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال : بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع ثلاثين ألف عام (٥). وقال مجاهد : بين السماء الثانية وبين العرش سبعون ألف حجاب : حجاب من نور ، وحجاب من ظلمة ، وقال وهب بن منبه : إن حول العرش سبعون ألف صفّ من الملائكة ، صفّ خلف صفّ يطوفون بالعرش.
قوله (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) قال شهر بن حوشب : حملة العرش ثمانية ، فأربعة منهم يقولون : سبحانك اللهمّ وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك ، وأربعة منهم يقولون : سبحانك اللهمّ وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ؛ قال : وكأنهم يرون ذنوب بني آدم(٦).
__________________
(١) من القراءات الشاذة ، انظر مختصر ابن خالويه ١٣٢ ، والكشاف ٣ / ٤١٥ ، والبحر والدر أيضا المرجعين السابقين.
(٢) ويحتمل ذلك وجها آخر وهو أن يكون ضم العين لغة في العرش قاله أبو حيان في البحر ٧ / ٥٢ وانظر شرح شافية ابن الحاجب لرضي الدين ٢ / ٩١ ، ٩٢ والدر المصون ٤ / ٦٧٧.
(٣) السابق الأخير.
(٤) في ب : لا يلتفت إليهم.
(٥) جزء من حديث أخرجه الإمام البغوي في تفسيره ٦ / ٨٩.
(٦) ذكر هذه الأقوال كلها البغوي في المرجع السابق.