والظن نوعان : منجي (١) ومردي فالمنجي قوله : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) [الحاقة : ٠٢] وقوله : (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) [البقرة : ٤٦] والمردي هو قوله (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ.)
قوله تعالى : (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤) وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ)(٢٧)
قوله تعالى : (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) أي سكن لهم ، يعني إن أمسكوا عن الاستغاثة لفرج ينتظرونه لم يجدوا ذلك وتكون النار مثوى لهم أي مقاما لهم (٢).
قوله : (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) العامة على فتح الياء من «يستعتبوا» وكسر التاء الثانية مبنيا للفاعل (فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) بكسر التاء اسم الفاعل ومعناه وإن طلبوا العتبى وهي الرضا فما هم ممن يعطاها. والمعتب الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل ، يقال: أعتبني فلان ، أي أرضاني بعد إسخاطه إيّاي ، واستعتبته طلبت منه أن يعتب أي يرضى. وقيل : المعنى وإن طلبوا زوال ما يعتبون فيه فما هم من المجابين إلى إزالة العتب. وأصل العتب المكان النّائي بنازله ، ومنه قيل لأسكفّة (٣) الباب والمرقاة : عتبة ، ويعبر بالعتب عن الغلظة التي يجدها الإنسان في صدره على صاحبه ، وعتبت فلانا أبرزت له الغلظة ، وأعتبته أزلت عتباه كأشكيته وقيل : حملته على العتب (٤).
وقرأ الحسن وعمرو بن عبيد : وإن يستعتبوا مبنيا للمفعول (٥) فما هم من المعتبين اسم فاعل بمعنى إن يطلب منهم أن يرضوا فما هم فاعلون ذلك ، لأنهم فارقوا دار التكليف (٦) ، وقيل : معناه أن يطلب ما لا يعتبون عليه فما هم ممّن (٧) يريد العتبى وقال أبو ذؤيب :
٤٣٦٣ ـ أمن المنون وريبه تتوجّع |
|
والدّهر ليس بمعتب من يجزع (٨) |
__________________
(١) كذا رسمها الناسخ في نسخ اللباب والأصح لغويا منج ومرد.
(٢) قاله الرازي في مرجعه السابق.
(٣) وهي السفلى وانظر معالم التنزيل للإمام البغوي ٦ / ١١٠ ، واللسان لابن منظور عتب ٢ / ٢٧٩٣.
(٤) المرجع السابق وص ٢٧٩٢ منه.
(٥) قراءة شاذة ذكرها أبو الفتح ابن جنّي في المحتسب ٢ / ٢٤٥ وابن خالويه في المختصر ١٣٣.
(٦) بالمعنى من الكشاف ٣ / ٤٥١ وانظر البحر المحيط ٧ / ٤٩٤.
(٧) قاله أبو البقاء في التبيان ١١٢٦.
(٨) من تمام الكامل له يرثي أولاده وهو يخاطب نفسه على العادة القديمة ، والمنون : الموت والجوع وهو ـ