قوله : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ) بعثنا لهم ووكلنا ، وقال مقاتل : هيّأناه (١). وقال الزجاج : سينالهم (٢) وأصل التقييض التيسير والتهيئة ، قيضته للداء هيأته له ويسّرته ، وهذان ثوبان قيّضان أي كل منهما مكافىء للآخر في الثمن. والمقايضة المعارضة ، وقوله (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) [الزخرف : ٣٦] أي نسهل ونيسر ليستولي عليه استيلاء القيض على البيض (٣).
والقيض في الأصل قشر البيض الأعلى (٤). قال الجوهري (٥) : ويقال : قايضت الرجل مقايضة أي عاوضته بمتاع ، وهما قيضان كما يقال : بيعان. وقيّض الله فلانا لفلان أي جاء به ومنه قوله تعالى : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ)(٦) والمراد بالقرناء النظراء من الشياطين حتى أضلوهم (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) من أمر الدنيا حتى آثروه على الآخرة (وَما خَلْفَهُمْ) من أمر الآخرة فدعوهم إلى التكذيب وإنكار البعث (٧).
وقال الزجاج : زينوا (لهم (٨) ما بين أيديهم من أمر الآخرة أنّه لا بعث ولا جنة ولا نار ، وما خلفهم من أمر الدنيا وأن الدنيا قديمة ، ولا صانع إلا الطبائع والأفلاك (٩). وقيل (١٠) : ما بين أيديهم أعمالهم التي يعملونها وما خلفهم ما يعزمون (١١) أن يعملوه. وقال ابن زيد : ما بين أيديهم ما مضى من أعمالهم الخبيثة (وما بقي من أعمالهم الخسيسة) (١٢)).
فصل
دلت هذه الآية على أنه تعالى يريد الكفر من الكافر ؛ لأنه تعالى قيّض لهم قرناء
__________________
ـ جمع منيّة والمعتب اسم فاعل من أعتب أي الذي يزيل سبب العتب. والشاهد : في معتب وهي بمعنى إزالة العتب أي سببه وانظر ديوان المفضليات ٥٨٠ ، وديوان الهذليين ١ / ١ ، والسبع الطوال لابن الأنباري أبي بكر ٤٦٠ والبحر المحيط ٧ / ٤٩٤ والكشاف ٤ / ٢٥ ، واللسان منن ٤٢٧٧ وشرح شواهد الكشاف ٤٢٥.
(١) انظر معالم البغوي ٦ / ١١٠.
(٢) نقله في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٨٤.
(٣) انظر اللسان قيض ٣٧٩٥ وغريب القرآن ٣٨٩.
(٤) اللسان المرجع السابق.
(٥) هو إسماعيل بن حماد الجوهري الإمام أبو نصر الفارابيّ كان من أعاجيب الزمان ذكاء وفطنة وعلما ، إماما في اللغة والأدب ومن فرسان الكلام والأصول من مؤلفاته : «الصحاح» المشهور اختلف في وفاته فقيل سنة ٤٠٠. وقيل : ٣٩٣ ه البغية ١ / ٤٤٦.
(٦) انظر الصحاح له قيض.
(٧) قال بهذه المعاني البغوي ٦ / ١١٠.
(٨) ما بين القوسين الكبيرين بتقديم وتأخير وتداخل لما بعده من الكلام في نسخة ب.
(٩) قول الزجاج في معاني القرآن ٤ / ٣٨٤ زينوا لهم أعمالهم التي يعملونها ويشاهدونها وما خلفهم وما يعزمون أن يعملوه.
(١٠) نقله الرازي وهو رأي الزجاج كما رأينا.
(١١) في الرازي وما زعموا أنهم يعملونه.
(١٢) تكملة لرأي ابن زيد عن الرازي ٢٧ / ١١٩.