فزينوا لهم الباطل ، وهذا يدل على أنه تعالى أراد منهم الكفر. وأجاب الجبّائيّ بأن قال : لو أراد المعاصي لكانوا بفعلها (١) مطيعين ؛ لأن الفاعل لما يريده منه غيره يجب أن يكون مطيعا له. وأجاب ابن الخطيب : بأنه لو كان من فعل ما أراده غيره مطيعا له لوجب أن يكون الله مطيعا لعباده إذا فعل ما أرادوه (٢) فهذا إلزام الشيء على نفسه وإن أردت غيره فلا بد من بيانه حتى ينظر فيه هل يصح أم لا (٣).
قوله : «في أمم» نصب على الحال من الضمير في «عليهم» والمعنى كائنين في جملة أمم ، وهذا كقوله (شعرا) (٤) :
٤٣٦٤ ـ إن تك عن أحسن الصّنيعة مأ |
|
فوكا ففي آخرين قد أفكوا (٥) |
أي في جملة قوم آخرين. وقيل : في بمعنى «مع» (٦).
فصل
احتجّ أهل السنة بأنه تعالى أخبر أن هؤلاء حق عليهم القول فلو لم يكونوا كفارا لانقلب هذا الخبر الحق باطلا ، وهذا العلم جهلا ، وهذا الخبر الصدق كذبا ، وكل ذلك محال ، ومستلزم المحال محال فثبت أن صدور الإيمان وعدم صدور الكفر عنهم محال.
قوله (تعالى) (٧) : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ...) الآية اعلم أن الكلام ابتداء من قوله تعالى : (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) إلى قوله : (إِنَّنا عامِلُونَ).
وأجاب الله تعالى عن تلك الشبهة (٨) واتصل الكلام إلى هذا الموضع ، ثم إنه تعالى حكى عنهم شبهة أخرى فقال : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) العامة على فتح الغين وهي تحتمل وجهين :
أحدهما : أن تكون من «لغي» بالكسر يلغى ، وفيها معنيان :
أحدهما : من ألغى إذا تكلم باللغو وهو ما لا فائدة فيه (٩).
__________________
(١) في ب يفعلونها.
(٢) في ب أراده.
(٣) نقله الرازي في تفسيره ٢٧ / ١١٩.
(٤) زيادة من ب.
(٥) من المنسرح لعروة بن أذينة ، ويروى : «إن تك عن أفضل المروءة».
والمأفوك : المصروف عن الحق وهو يخاطب إنسانا قد عزف عن صنع الخير ، قائلا إنك لست الوحيد في ذلك فغيرك كثير ممن لا يلتفتون إلى هذا الأشياء الحسنة. وشاهده : «ففي آخرين» حيث تعلق الجار والمجرور بحال محذوف أي فأنت كائنا أو مستقرا في جملة قوم آخرين. وانظر المحتسب ٢ / ١٦١ و ٢٦٧ والبحر المحيط ٧ / ٤٩٣ وإصلاح المنطق ٢٣ ، ولسان العرب أفك ٩٧ والكشاف ٢ / ٤٥٢ ، والدر المصون ٤ / ٧٣٠ والقرطبي ١٥ / ٣٥٥ وديوانه ٣٤٣.
(٦) نقله أبو حيان في البحر المرجع السابق ولم يرتضه.
(٧) زيادة من أ.
(٨) في ب الشبه.
(٩) لسان العرب لغا ٤٠٤٩.