فصل
لما بين أن الذي حملهم على الكفر الموجب للعقاب الشديد مجالسة قرناء السوء بيّن أن الكفار (عند الوقوع (١) في العذاب الشديد) في النار يقولون : (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) ومعناه أن الشيطان على نوعين جنّيّ وإنسيّ.
قال تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢] وقال : (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس : ٥ ـ ٦] وقيل (٢) : هما إبليس وقابيل بن آدم الذي قتل أخاه ؛ لأن الكفر سنة إبليس والقتل بغير حق سنة قابيل فهما سنا المعصية (٣). «و (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا) في النار (لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) قال مقاتل : يكونون أسفل منا في النار (٤). وقال الزجاج : ليكونا في الدرك الأسفل(٥). وقال بعض الحكماء : المراد باللّذين يضلّان الشهوة والغضب (٦) والمراد بجعلهما تحت أقدامهم كونهما مسخّرين للنفس مطيعين لها ، وأن لا يكونا مستوليين (٧) عليها قاهرين لها.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) الآية. لما ذكر الوعيد أردفه بذكر الوعد كما هو الغالب. واعلم أن «ثمّ» لتراخي الرتبة في الفضيلة (٨) سئل أبو بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ عن الاستقامة فقال : أن لا تشرك بالله شيئا. وقال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ، ولا تروغ روغات الثّعلب. وقال عثمان ـ رضي الله عنه ـ أخلصوا العمل. وقال علي ـ رضي الله عنه ـ أدّوا الفرائض. وقال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ استقاموا على أداء الفرائض. وقال الحسن ـ (رضي (٩) الله عنه) ـ استقاموا على أمر الله بطاعته واجتنبوا معصيته. وقال مجاهد وعكرمة استقاموا على شهادة أن لا إله إلا الله حتى لحقوا بالله. وقال قتادة : كان الحسن إذا تلا هذه الآية قال : اللهمّ فارزقنا الاستقامة.
قوله : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) قال ابن عباس ـ (رضي الله (١٠) عنهما) ـ عند الموت. وقال مقاتل وقتادة : إذا قاموا من قبورهم. وقال وكيع بن الجرّاح (١١) : البشرى
__________________
(١) زيادة من الرازي لتوضيح السياق الذي نقل منه أصلا.
(٢) وروي عن ابن عباس رضي الله عنه القرطبي ١٥ / ٣٥٧.
(٣) انظر الرازي ٢٧ / ١٢٠ والبغوي ٦ / ١١٠.
(٤) الرازي السابق.
(٥) معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٨٥.
(٦) نقله الرازي عن بعض تلامذته المرجع السابق للرازي.
(٧) السابق أيضا.
(٨) قاله الزمخشري قال : «ثم لتراخي الاستقامة عن الإقرار في المرتبة».
(٩) سقط من ب.
(١٠) كذلك.
(١١) ابن مليح الرؤاسي الإمام الحافظ الثبت ، روى عنه محمد بن إسماعيل الحساني وسمع هشام بن عروة ـ