الكلام من الملائكة كان إخبارا بنفع عظيم مع أنه هو الخبر الأول فكان ذلك بشارة.
واعلم أن هذا الكلام يدل على أن المؤمن عند الموت وفي القبر وعند البعث (لا) (١) يكون فازعا من الأهوال ومن الفزع الشديد (بل يكون (٢) آمن الصدر لأن قوله : «أن لا (تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا) يفيد نفي الخوف ، والحزن على الإطلاق).
قوله تعالى : (نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) وهذا في مقابلة ما ذكره في وعيد الكفار حيث قال : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا). قال السدي : تقول الملائكة نحن الحفظة الذين كنا معكم في الدنيا (ونحن أولياؤكم في (٣) الدنيا) ونحن أولياؤكم في الآخرة أي لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة. (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) من الكرامات واللذات (وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) أي تتمنون.
فإن قيل : هلى هذا التفسير لا فرق بين قوله : (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) و (لَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ) قال ابن الخطيب : والأقرب عندي أن قوله : (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) إشارة إلى الجنة الرّوحانيّة المذكورة في قوله : (دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللهُمَ)(٤) [يونس : ١٠] الآية.
قوله تعالى : (نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣) وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)(٣٥)
قوله : «نزلا» فيه أوجه :
أحدها : أنه منصوب على الحال من الموصول ، أو من عائده ، والمراد بالنزل الرزق المعدّ للنازل كأنه قيل ولكم فيها الذي تدعونه حال كونه معدّا.
الثاني (٥) : أنه حال من فاعل «تدّعون» أو من الضمير في «لكم» على أن يكون نزلا جمع نازل كصابر وصبر وشارف (٦) وشرف.
__________________
(١) ساقطة من النسختين وتكملة لا بد منها حتى يتأتى المعنى.
(٢) تكملة كسابقتها من الفخر الرازي لا بد منها وانظر الرازي ٢٧ / ١٢٢.
(٣) سقط من ب وهي بقية كلام السديّ المنقول في البغوي المرجع السابق.
(٤) وكلامه في التفسير الكبير ما يأتي : ما تشتهي أنفسكم إشارة إلى الجنّة الجثمانيّة وقوله : «وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ» إشارة إلى الجنّة الرّوحانيّة الرازي ٢٧ / ١٢٣.
(٥) قال بالوجه الأول أبو البقاء في التبيان ١١٢٧ وبهذا الوجه ابن الأنباري وأبو البقاء أيضا ومكي في المشكل ٢ / ٢٧٢ وانظر البيان ٢ / ٣٤٠.
(٦) هو المسن من الإبل اللسان شرف ٢٢٤٣.