فإن قيل : وصف الملائكة بأنهم يسبحون له بالليل والنهار لا يفترون ، وهذا يدل على مواظبتهم على التسبيح لا ينفكون عنه لحظة واحدة كما قال : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء : ٢٠] واشتغالهم بهذا العمل على سبيل الدوام يمنعهم من الاشتغال بسائر الأعمال لكنهم ينزلون على الأرض ، كما قال تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ) [الشعراء : ١٩٣ ـ ١٩٤] وقال (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) [الحجر : ٥١] وقال (عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ) [التحريم : ٦] وقال عن الذين قاتلوا مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ يوم بدر (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ) [آل عمران : ١٢٥].
فالجواب : أن الذين ذكرهم الله ههنا بكونهم مواظبين على التسبيح أقوام معيّنون من الملائكة.
فصل
اختلفوا في مكان السجدة فقال الشافعي ـ رحمهالله ـ هو عند قوله تعالى (إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)(١) وقال أبو حنيفة ـ رضي الله ـ : هو عند قوله تعالى (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ)(٢).
قوله : (وَمِنْ آياتِهِ) أي ومن دلائل قدرته أنك ترى الأرض خاشعة أي يابسة غير الإنبات فيها (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) ، أي تحركت بالنبات ، وربت انتفخت ؛ لأن النبت إذا قرب أن يظهر ارتفعت له الأرض (٣) وانتفخت ثم تصدعت عن النبات.
واعلم أنه تعالى لما ذكر الدلائل الأربعة الفلكية أتبعها بذكر الدلائل الأرضية وهي هذه الآية ثم قال : (إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى) يعني أن القادر على إحياء الأرض بعد موتها هو القادر على إحياء هذه الأجساد بعد موتها. ثم قال : (إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وهذا هو الدليل الأصلي وتقدم تقريره مرارا.
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ)(٤٣)
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا) الآية لما بين أن الدعوة إلى دين الله تعالى أعظم المناصب ، وأشرف المراتب ، ثم بين أن الدعوة إنما تحصل بذكر دلائل التوحيد والعدل وصحة البعث والقيامة عاد إلى تهديد من ينازع في تلك الآيات ، ويجادل بإلقاء الشّبهات فيها فقال : إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ، يقال : ألحد الحافر
__________________
(١) وهو قول مالك أيضا.
(٢) قال به ابن وهب ونقل القرطبي في الجامع عكس ما قال المؤلف ، انظر الجامع ١٥ / ٣٦٤.
(٣) قاله الزجاج في معاني القرآن ٤ / ٣٨٨.