وقيل : معناه ما منا أحد يشاهدهم لأنهم ضلوا عنهم وضلت عنهم آلهتهم فلا يبصرونها في ساعة التوبيخ وقيل : هذا كلام الأصنام كأن الله يجيبها ، ثم إنها تقول : «ما منّا من أحد يشهد» بصحة ما أضافه إلينا من الشركة ، وعلى هذا التقدير فمعنى ضلالهم عنهم (أنهم (١) لا ينفعونهم وهي معنى قوله : (وَضَلَّ عَنْهُمْ) ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ).
قوله تعالى : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ)(٥٤)
قوله تعالى : (وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) كقوله : (ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ)(٢) ومعناه : أنهم أيقنوا أنهم لا محيص لهم عن النار أي مهرب ، وهذا ابتداء كلام من الله تعالى.
قوله تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) ... الآية لما بين تعالى من حال هؤلاء الكفار (أنهم) (٣) بعد أن كانوا مصرين على القول بإثبات الشركاء والأضداد لله في الدنيا تبرأوا عن تلك الشركاء في الآخرة بين أن الإنسان في جميع الأوقات متغير الأحوال ، فإن أحسّ بخير وقدرة تعاظم ، وإن أحسّ ببلاء ومحنة ذلّ. والمعنى أن الإنسان في حال الإقبال لا ينتهي إلى درجة إلا ويطلب الزيادة عليها ، وفي مجال الإدبار والحرمان يصير آيسا قانطا. وفي قوله «يؤس (قَنُوطٌ) مبالغة من وجهين :
أحدهما : من طريق فعول.
والثاني : من طريق التكرار.
واليأس من صفة القلب ، والقنوط أن يظهر آثار اليأس في الوجه والأحوال الظاهرة.
ثم بين تعالى أن الذي صار آيسا قانطا لو عاودته النعمة والدّولة (٤) وهو قوله : (وَلَئِنْ أَذَقْناهُ
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من أالأصل.
(٢) أي كإعراب «ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ» السابق.
(٣) سقط من ب.
(٤) الدولة ـ بضم الدال أو فتحها على خلاف في ذلك ـ العقبى في المآل وانظر اللسان دول ١٤٥٥.