مقامه. وقرأ أبو حيوة والأعمش وأبان نوحي ـ بالنون (١) ـ وهي موافقة العامة. ويحتمل أن تكون الجملة من قوله : (اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) منصوبة المحل مفعولة بنوحي أي نوحي إليك هذا اللفظ، إلا أنّ فيه حكاية الجملة بغير القول الصريح (٢).
و «يوحي» على اختلاف قراءته يجوز أن يكون على بابه من الحال والاستقبال فيتعلق قوله : (وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) بمحذوف لتعذر ذلك تقديره : «وأوحي إلى الّذين (٣) من قبلك» وأن يكون بمعنى الماضي ، وجيء به على صورة المضارع لغرض وهو تصوير الحال (٤).
قوله : (اللهُ الْعَزِيزُ) يجوز أن يرتفع بالفاعلية في قراءة العامة ، وأن يرتفع بفعل مضمر في قراءة ابن كثير كأنه قيل : من يوحيه؟ فقيل : الله العزيز ، كقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ) [النور : ٣٦ ، ٣٧] وقوله :
٤٣٧٠ ـ ليبك يزيد ضارع لخصومة (٥)
وقد مرّ. وأن يرتفع بالابتداء ، وما بعده خبره ، والجملة قائمة مقام الفاعل على ما مر ، وأن يكون (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) خبرين ، أو نعتين ، والجملة من قوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) خبر أول أو ثان على حسب ما تقدم في (الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). وجوّز أبو البقاء أن يكون «العزيز» مبتدأ ، و «الحكيم» خبره ، أو نعته و (لَهُ ما فِي السَّماواتِ) خبره.
وفيه نظر ؛ إذا الظاهر تبعيّتهما للجلالة. وأنت إذا قلت : «جاء زيد العاقل الفاضل» لا تجعل العامل مرفوعا على الابتداء.
__________________
ـ المفهوم من بدا أو ضمير السجن المفهوم من الفعل. والثالث : يجوز أن يقع فاعلا أو نائبا عنه لفعل من أفعال القلوب إذا علق ، نحو ظهر لي أقام زيد أم عمرو ، وعلم أقام بكر أم خالد ، بخلاف نحو : يسرّني خرج عبد الله فلا يجوز. ونسب هذا لسيبويه انظر الهمع ١ / ١٦٤.
(١) البحر المحيط ٧ / ٥٠٨ وابن خالويه ١٣٤ وهي فيه الشواذ.
(٢) أقول قد يحكى بالقول وتصريفه الجمل ولا يحلق به معناه خلافا للكوفيين وابن عصفور ، فيوحي هنا معنى من معاني القول مرجّح عند الكوفيين وممتنع عند البصريين (بتصرف من الهمع ١ / ١٥٦).
(٣) انظر البحر المحيط ٧ / ٥٠٨.
(٤) بالمعنى من الكشاف ٣ / ٤٥٩ ، وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٧٤٢.
(٥) صدر بيت من الطويل عجزه :
ومختبط ممّا تطيح الطّوائح
وهو لضرار بن نهشل يرثي يزيد بن نهشل. وشاهده : رفع «ضارع» حيث رفع بفعل مقدر أي يبكيه ضارع أي ذليل ومسكين. و «مختبط» محتاج. أقول : وهذا البيت مما اختلف في نسبته. فقد نسبه العيني لنهشل بن حريّ النهشلي والثعلبي إلى الحارث بن نهيك ، والنيلي لضرار النهشلي ، وبعضهم لمزرد ، وأبو عبيدة لمهلهل ، وقد تقدم.