فصل
الكاف في «كذلك» معناه المثل و «ذا» للإشارة إلى شيء سبق ذكره فيكون المعنى مثل حم عسق يوحي إليك وإلى الذين من قبلك ، وعند هذا حصل قولان :
أحدهما : ما نقل عن ابن عباس (رضي الله (١) عنهما) أنه قال : لا نبي صاحب كتاب إلا وقد أوحي إليه حم عسق كما تقدم.
قال ابن الخطيب : «وهذا عندي بعيد» (٢).
والثاني : أن يكون مثل الكتاب المسمى بحم عسق يوحى إليك وإلى الذين من قبلك ، وهذه المماثلة المراد منها المماثلة في الدعوة إلى التوحيد والنبوة والمعاد ، وتقبيح أحوال الدنيا ، والترغيب في أمور الآخرة (٣).
قال الزمخشري : لم يقل : أوحي إليك ولكن قال : يوحى إليك على لفظ المضارع ليدل على أن إيحاء (٤) مثله عادة (٥) وكونه عزيزا بدل على كونه قادرا على ما لا نهاية له وكونه حكيما يدل على كونه عالما بجميع المعلومات غنيا عن جميع الحاجيات كما تقدم بيانه في أول سورة «حم» المؤمن.
وقوله : (لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) يدل على كونه موصوفا بالقدرة الكاملة النافذة في جميع أجواء (٦) السماوات والأرض على عظمها وسعتها بالإيجاد والإعدام وأن ما في السماوات وما في الأرض ملكه وملكه ، وهو (٧) العليّ أي المتعالي عن مشابهة الممكنات العظيم بالقدرة والقهر والاستعلاء.
قوله تعالى : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ) تقدم الكلام فيه مشبعا في مريم (٨) ، إلا أن الزمخشري زاد هنا وروى يونس عن أبي عمرو قراءة غريبة تتفطّرن بتاءين مع النون. ونظيرها حرف نادر ، روي في نوادر ابن الأعرابي : «الإبل تتشمّمن» (٩).
__________________
(١) زيادة من أ.
(٢) تفسيره التفسير الكبير ٢٧ / ١٤٢.
(٣) المرجع السابق.
(٤) في ب الحاء بدل من إيحاء وهو تحريف.
(٥) في الكشاف عادته.
(٦) في ب والرازي أجزاء وهو الأصح.
(٧) أخذ المؤلف كلام الرازي بتغيير وتبديل ، ولعل هذا من النساخ ففي الرازي : «... أن كل ما في السماوات وما في الأرض فهو ملكه وملكه وجب أن يكون منزها عن كونه حاصلا في السماوات وفي الأرض وإلا لزم كونه ملكا لنفسه» الرازي ٢٧ / ١٤٢ ، ١٤٣.
(٨) من الآية ٩٠ من مريم : «تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ» فقد قرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة «تكاد» بالتاء «يتفطّرن» بالياء وبعدها تاء ، وكذلك حفص عن عاصم إلا في رواية هبيرة عنه «ينفطرن» بالنون مثل أبي عمرو بالإضافة إلى القراءات الشاذة التي ذكرها أعلى.
(٩) الكشاف ٣ / ٤٥٩ والذي في الكشاف : تشمّمن بتاء واحد وميمين والصواب ما أتى به المؤلف حتى يتحقق الشاهد.