قال أبو حيان : والظاهر أن هذا وهم منه ، لأن ابن خالويه قال في شاذّ القرآن ما نصه «تنفطرن» بالتاء والنون يونس عن أبي عمرو (١).
قال ابن خالويه : وهذا حرف نادر ؛ لأن العرب لا تجمع بين علامتي التأنيث (٢) لا يقال : النساء تقمن ، ولكن يقمن ، والوالدات يرضعن ولا يقال : ترضعن. وقد كان أبو عمر الزّاهد (٣) روى في نوادر ابن الأعرابي : الإبل تتشمّمن (٤) فأنكرناه ، فقد قواه الآن هذا (٥).
قال أبو حيان : فإن كانت نسخ الزمخشري متفقة على قوله : «بتاءين مع النون» فهو وهم ، وإن كان في بعضها بتاء مع النون كان موافقا لقول ابن خالويه وكان بتاءين تحريفا من النساخ وكذلك كتبهم تتفطّرن وتتشمّمن بتاءين. انتهى (٦).
قال شهاب الدين : كيف يستقيم أن يكو (ن) (٧) كتبهم تتشمّمن بتاءين وهما وذلك لأن ابن خالويه أورده في معرض الندرة والإنكار حتى يقوى عنده بهذه القراءة ، وإنما يكون نادرا منكرا بتاءين ، فإنه حينئذ يكون مضارعا مسندا لضمير الإبل ، فكان من حقه أن يكون حرف مضارعته ياء منقوطة من أسفل ، نحو : النّساء يقمن فكان ينبغي أن يقال : الإبل يتشمّمن بالياء من تحت ثم بالتاء من فوق ، فلما جاء بتاءين كلاهما من فوق ظهر ندوره وإنكاره ، ولو كان على ما قال أبو حيان : إن كتبهم بتاءين وهما بل كان ينبغي كتبه بتاء واحدة لما كان فيه شذوذ ولا إنكار ، لأنه نظير : النّسوة تدحرجن فإنه ماض مسند لضمير الإناث ، وكذا لو كتبت بياء من تحت وتاء من فوق لم يكن فيه شذوذ ، ولا إنكار. وإنما يجيء الشذوذ والإنكار إذا كان بتاءين منقوطتين من فوق ، ثم إنه سواء قرىء تتفطّرن بتاءين أو بياء ونون ، فإنه نادر لما ذكر ابن خالويه ، وهذه القراءة لم يقرأ بها في نظيرتها في سورة مريم (٨).
قوله : (مِنْ فَوْقِهِنَّ) في هذا الضمير ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه عائد على السماوات ، أي كل واحدة منها تتفطّر فوق التي تليها (٩) من قول المشركين : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) [الكهف : ٤] كما في سورة مريم ، أي يبتدىء
__________________
(١) البحر المحيط ٥٠٨ / ٧.
(٢) تاء التأنيث الأولى ، ونون النسوة.
(٣) محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم المعروف بغلام ثعلب والملقب بالزاهد من أكابر أئمة اللغة والنحو أخذ عن ثعلب. انظر إنباه الرواة ٣ / ١٧١ : ١٧٧.
(٤) في مختصر ابن خالويه (تسّمّن) بالسين والنون المشددة.
(٥) انظر مختصر ابن خالويه ١٣٤ والبحر المحيط ٧ / ٥٠٨.
(٦) قاله في البحر المحيط ٧ / ٥٠٨.
(٧) النون من تكون سقطت من ب.
(٨) انظر هذا كله للسمين في الدر المصون ٤ / ٧٤٣.
(٩) بالمعنى من الكشاف ٣ / ٤٦٠ وباللفظ من الدر المصون ٤ / ٧٢٤.