الثاني : أنه حال من الكاف ، والكاف هي المفعول «لأوحينا» أي أوحينا مثل ذلك الإيحاء ، وهو قرآن عربي وإليه نحا الزمخشري (١). وكون الكاف اسما في النثر (٢) مذهب الأخفش(٣).
فصل
قال ابن الخطيب : قوله وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا يقتضي تشبيه وحي الله بالقرآن بشيء سبق ذكره ، وليس ههنا شيء سبق ذكره يمكن تشبيه وحي القرآن به إلا قوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) يعني كما أوحينا إليك أنك لست حفيظا عليهم ولست وكيلا عليهم وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا ليكون نذيرا لهم (٤).
قوله : (وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) أي أهل (٥) أمّ القرى ؛ لأن البلد لا تعقل (٦).
قوله : (وَمَنْ حَوْلَها) عطف على أهل المقدر قبل أم القرى والمفعول الثاني محذوف أي العذاب (٧).
وقرىء : لينذر ـ بالياء من تحت ـ أي القرآن (٨) ، وأم القرى أصل القرى بمعنى مكة ، وسمي بهذا الاسم إجلالا ؛ لأن فيها البيت ومقام إبراهيم. والعرب تسمي أصل كلّ شيء أمة ، حتى يقال : هذه القصيدة من أمّهات قصائد فلان ومعنى (مَنْ حَوْلَها) أي قرى الأرض كلها من أهل البدو والحضر وأهل المدر والوبر. والإنذار : التخويف (٩).
قوله : (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) أي تنذرهم بيوم الجمع ، وهو يوم القيامة ، جمع الله فيه الأولين والآخرين وأهل السماوات والأرض. وقيل : المراد تجمع الأرواح بالأجساد. وقيل : يجمع بين العامل وعمله وقيل : يجمع بين الظالم والمظلوم (١٠).
__________________
(١) الكشاف ٣ / ٤٦١.
(٢) في ب البين تحريف ولحن.
(٣) والفارسيّ وجماعة ، وهذه الكاف الاسمية لا تقع كذلك عند سيبويه والمحققين إلا في الضرورة كقوله :
بيض ثلاث كنعاج جمّ |
|
يضحكن عن كالبرد المنهمّ |
أما الأخفش والفارسي وجماعة فجوزوا ذلك في الاختيار. بتصرف من المغني ١٨٠.
(٤) الفخر الرازي ٢٧ / ١٤٧.
(٥) فهو مجاز عقلي كقوله تعالى :«وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ» وكذلك ههنا.
(٦) في ب لا يعقل بتذكير عائد على البلد وهما جائزان.
(٧) بالمعنى من كشاف الزمخشري ٣ / ٤٦١.
(٨) السابق ولم ينسبها الزمخشري إلى من قرأ بها. وانظر أيضا الدر المصون ٤ / ٧٤٤.
(٩) نقله الرازي في تفسيره ٢٧ / ١٤٧.
(١٠) قال بالأوّل البغويّ ٦ / ١١٧ وبالأقوال مجتمعة الرّازي المرجع السابق.