وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ)(٢٨)
قوله : (وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ) (مبتدأ ، و «حجتهم» (١)) مبتدأ ثان و (داحضة) خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول (٢). وأعرب مكيّ : حجتهم بدلا من الموصول بدل اشتمال (٣).
والهاء في «له» تعود على الله تعالى ، أو على الرسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ أي من بعد ما استجاب الناس لله أو من بعد ما استجاب الله لرسوله حين دعا على قومه (٤). وقال ابن الخطيب : يعود على «الدين» أي من بعد ما استجاب النّاس لذلك الدين (٥).
فصل
المعنى والذين يخاصمون في دين الله نبيّه. وقال قتادة : هم اليهود ، قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ، فنحن خير منكم ، فهذه خصومتهم من بعد ما استجاب له الناس ، فأسلموا ودخلوا في دينه لظهور معجزته (حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ) خصومتهم باطلة (عِنْدَ رَبِّهِمْ)(٦) قال ابن الخطيب : تلك المخاصمة هي أن اليهود قالوا : ألستم تقولون إن الأخذ بالمتفق عليه أولى بالأخذ من المختلف فيه فنبوة موسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ وحقيقة (٧) التوراة معلومة بالاتفاق ، ونبوة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ليست متفقا عليها فوجب الأخذ باليهودية ، فبين تعالى فساد هذه الحجة ، وذلك لأن اليهود أجمعوا على أنه إنما وجب الإيمان بموسى ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ لأجل ظهور المعجزات على قوله وهاهنا ظهرت (٨) المعجزات على وفق قول محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ ، واليهود شاهدوا تلك المعجزات ، فإن كان ظهور المعجزة يدل على الصدق فهاهنا يجب الاعتراف بنبوة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وإن كان لا يدل على الصدق وجب في حق موسى أن لا يقروا بنبوته بظهور المعجزات ؛ لأنه يكون متناقضا (٩) ، ولما قرر (الله تعالى) هذه الدلائل خوف المنكرين بعذاب القيامة فقال : (وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) في الآخرة.
قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزانَ) قال قتادة ومجاهد ومقاتل : سمي العدل ميزانا ؛ لأن الميزان آلة للإنصاف والتسوية. قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) (١٠) ـ أمر الله تعالى بالوفاء ونهى عن البخس (١١).
__________________
(١) ما بين القوسين سقط من أبسبب انتقال النظر.
(٢) قال السمين في الدر ٤ / ٣٥٠.
(٣) قال : رفع على البدل من «الذين» وهو بدل الاشتمال و «داحضة» الخبر مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٧٦.
(٤) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٦ / ١٤.
(٥) الرازي ٢٧ / ١٥٩.
(٦) البغوي ٦ / ١١٩.
(٧) في تفسيره : وحقية.
(٨) في ب ظهر وما في أموافق لما في الرازي.
(٩) انظر الرازي ٢٧ / ١٥٩.
(١٠) زيادة من أ.
(١١) في ب الفحش وما هنا في أموافق لما في البغوي ٦ / ١٢٠.