ومعنى الآية أنه تعالى أنزل الكتاب المشتمل على الدلائل والبيّنات (١) وأنزل الميزان وهو الفصل الذي هو القسطاس المستقيم وأنهم لا يعلمون أن القيامة حق (٢) يفاجئهم ، ومتى كان الأمر كذلك وجب على العاقل أن يجتهد (٣) في النظر والاستدلال ، ويترك طريقة أهل الجهل والتقليد. ولما كان الرسول ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ يهددهم يوم القيامة ولم يروا لذلك أثرا قالوا على سبيل السخرية متى تقوم الساعة؟ وليتها قامت حتى يظهر لنا الحقّ أهو الذي نحن عليه أم الذي عليه محمد وأصحابه (٤)؟!.
قوله : (لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ) إنما ذكر «قريب» وإن كان صفة لمؤنث لأن الساعة في معنى الوقت أو البعث أو على معنى النّسب أي ذات قرب (٥) ، أو على حذف مضاف ، أي مجيء الساعة (٦). وقيل للفرق بينها وبين قرابة النسب (٧). وقيل : لأن تأنيثها مجازي نقله مكي (٨). وليس بشيء ؛ إذ لا يجوز : الشمس طالع ، ولا القدر فائر ، وجملة الترجي أو الإشفاق معلّقة للدراية. وتقدم مثله آخر الأنبياء (٩).
فصل
قال مقاتل : ذكر النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الساعة وعنده قوم من المشركين فقالوا مستهزءين : متى تكون الساعة؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية : (يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها) ظنا منهم أنهم غير آتية (وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ) خائفون (مِنْها وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ) أي أنها آتية لا ريب فيها ، ثم قال : (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ) يخاصمون. وقيل : يدخلهم المرية والشك (١٠) في «وقوع الساعة» لفي ضلال بعيد ؛ لأن استيفاء (١١) حقّ المظلوم من الظالم واجب في العدل فلو لم تحصل القيامة لزم إسناد الظلم إلى الله عزوجل ، وهذا من أمحل المحالات ، فلا جرم كان إنكار القيامة ضلالا بعيدا.
قوله تعالى : (اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ) قال ابن عباس ـ (رضي الله عنهما) ـ : حفيّ
__________________
(١) في ب البيانات جمع بيان وما في أهنا موافق لما في الرازي بينات جمع بينة.
(٢) في الرازي : متى تفاجئهم.
(٣) وفيه : أن يجدّ ويجتهد.
(٤) وانظر الرازي ٢٧ / ١٥٩.
(٥) ذكر هذه الأوجه ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٤٦ ومكي في المشكل ٢ / ٢٧٧ ، وانظر التبيان ١١٣٢.
(٦) ذكره الزمخشري في كشافه ٣ / ٤٩٥ والسمين في الدر ٤ / ٧٥٠.
(٧) في النسختين قراءة النسب وهو تصحيف والأصح ما كتبته أعلى.
(٨) مشكل إعراب القرآن ٢ / ٢٧٦ والبيان ٢ / ٣٤٦ وقد قال بالتأنيث المجازي الزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٤ / ٣٩٦ والقرطبي في الجامع ١٦ / ١٥.
(٩) من قوله : «وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ» [الأنبياء : ١١١]. وانظر اللباب ٦ / ٣٥٣ ب ميكروفيلم.
(١٠) انظر البغوي والخازن ٦ / ١٢٠.
(١١) هذا قول الرازي في تفسيره ٢٧ / ١٦٠.