بهم. وقال عكرمة : بارّ بهم. وقال السديّ : رفيق بهم. وقال مقاتل : لطيف بالبر والفاجر حيث لم يهلكهم جوعا بمعاصيهم بدليل قوله : (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) وكل من رزقه الله من مؤمن وكافر وذي روح فهو ممّن يشاء الله أن يرزقه.
قال جعفر الصادق : اللطيف في الرزق من وجهين :
أحدهما : أنه جعل رزقك من الطيبات.
الثاني : أنه لم يدفعه إليك مرة واحدة (١).
و (هُوَ الْقَوِيُّ) القادر على ما يشاء «العزيز» الذي لا يغالب.
فصل
إنما حسن ذكر هذا الكلام هاهنا ؛ لأنه أنزل عليهم الكتاب المشتمل على هذه الدلائل اللطيفة ، فكان ذلك من لطف الله (تعالى) (٢) بعباده ، وأيضا فالمتفرقون استوجبوا العذاب الشديد. ثم إنه تعالى أخر عنهم ذلك العذاب فكان ذلك أيضا من لطف الله تعالى ، فلما سبق ذكر إيصال أعظم المنافع إليهم (و) (٣) دفع أعظم المضارّ عنهم لا جرم حسن ذكره هاهنا (٤).
قوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ...) الآية الحرث في اللغة الكسب ، أي من كان يريد بعمله الآخرة نزد له في حرثه بالتضعيف بالواحد عشرة إلى ما شاء الله من الزيادة. قاله مقاتل (٥). وقيل : معناه إنا نزيد في توفيقه وإعانته وتسهيل سبيل الخيرات والطاعات عليه (٦).
وقال الزمخشري : إنه تعالى سمّى ما يعمله العامل مما يطلب به الفائدة حرثا على سبيل المجاز(٧). واعلم أنه قد تقدم أن كون الشرط ماضيا والجزاء مضارعا مجزوما لا يختص مجيئه بكان خلافا لأبي الحكم (٨) مصنّف كتاب الإعراب فإنه قال : لا يجوز ذلك إلا مع «كان» إلا في ضرورة شعر. وأطلق النحويون جواز ذلك وأنشدوا بيت الفرزدق :
__________________
(١) البغوي والخازن في تفسيريهما السابقين.
(٢) زيادة من أ.
(٣) زيادة من أأيضا.
(٤) قاله الرازي في تفسيره ٢٧ / ١٦٠.
(٥) قاله البغوي في معالم التنزيل ٦ / ١٢٠.
(٦) نقله الرازي في المرجع السابق.
(٧) نقل الكشاف ٣ / ٤٦٥ قال : سمي ما يعمله العامل مما ينبغي به الفائدة والزكاء حرثا ، على المجاز.
(٨) نقل المؤلف هذا عن السمين عن أبي حيان في البحر قوله : «ولا نعلم خلافا في الجزم فإنه فصيح مختار إلا ما ذكره صاحب كتاب الإعراب وهو أبو الحكم بن عذرة عن بعض النحويين أنه لا يجيء في الكلام الفصيح وإنما يجيء مع كان ؛ لأنها أصل الأفعال ولا يجيء مع غيرها من الأفعال. انظر البحر ٧ / ٥١٤ ، والدر المصون ٤ / ٧٥١.