فصل
اعلم أن روضة الجنة أطيب بقعة (١) فيها ، وفيه تنبيه على أن الفسّاق من أهل الصلاة كلهم من أهل الجنة ؛ لأنه خص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأنهم في روضات الجنّات ، وهي البقاع الشّريفة كالبقاع التي دون تلك الروضات ، لا بد وأن تكون مخصوصة بمن كانوا دون الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
ثم قال : (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وهذا يدل على أن تلك الأشياء حاضرة عنده مهيّأة (٢). والعندية مجاز و (عِنْدَ رَبِّهِمْ) يجوز أن يكون ظرفا «ليشاءون». قاله الحوفي (٣) ، أو للاستقرار العامل في «لهم» قاله الزمخشري (٤). ثم قال : (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) وهذا يدل على أنّ الجزاء المرتب على العمل إنما حصل بطريق الفضل من الله تعالى لا بطريق الوجوب والاستحقاق.
قوله تعالى : (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ) كقوله : (كَالَّذِي خاضُوا)(٥). وقد تقدم تحقيقه. وتقدمت القراءات في يبشّر (٦). وقرأ مجاهد وحميد بن قيس : يبشر ـ بضم الياء وسكون الباء وكسر الشين (٧) ـ من أبشر منقولا من بشر بالكسر لا من بشر بالفتح ؛ لأنه متعدّ والتشديد في «بشر» للتكثير لا للتعدية ، لأنه متعد بدونها (٨).
ونقل أبو حيان قراءة يبشر بفتح الياء وضم الشين عن حمزة والكسائي (٩) (أي) (١٠) من السّبعة ، ولم يذكر غيرهما من السبعة ، وقد وافقهما على ذلك ابن كثير وأبو عمرو (١١). و «ذلك» مبتدأ ، والموصول بعده خبره ، وعائده محذوف على التدريج
__________________
(١) في ب قطعة.
(٢) وانظر الرازي ٢٧ / ١٦٣.
(٣) نقله عنه أبو حيان في البحر ٧ / ٥١٥. وقد رفض الزمخشري هذا الرأي.
(٤) منصوب بالظرف لا بيشاؤون. الكشاف ٣ / ٤٦٦.
(٥) في حذف العائد كما سيقرره بعد والآية ٦٩ من التوبة.
(٦) ولا أعرف مقصوده بتقديم القراءة في يبشر هل هي في مريم ، أو الإسراء أو الحجر ، أو الكهف أو التوبة ، وقد وصلت إلى مريم من قوله : لتبشّر به المتّقين ٩٧ فاستنتجت الآتي : قرىء يبشر بفتح الياء وسكون الموحدة وضم الشين مخففة من بشر الثلاثي ونسبت لابن كثير وأبي عمرو وحمزة والكسائي ، والباقون بالتشديد للتكثير لا للتعدية ، وقد قرأ نافع وابن عامر بالتشديد في القرآن كله وافقهم الكسائيّ هنا في الشورى ، بالإضافة إلى ما ذكر من القراءات أعلى. وانظر السبعة ٢٠٥ و ٢٠٦ والإتحاف ٣٨٣ واللباب ميكروفيلم.
(٧) نقلها صاحب الكشاف ٣ / ٤٦٦ ، وابن جنّي في المحتسب ٢ / ٢٥١ ، والسمين في الدر المصون ٤ / ٧٥٢.
(٨) انظر المرجعين الأخيرين السابقين.
(٩) البحر المحيط ٧ / ٥١٥.
(١٠) زيادة من أفقط.
(١١) نقل ابن مجاهد ـ كما سبق من قليل ـ في السبعة ـ أن ابن كثير وأبا عمرو يوافقانهما في هذا الموضع فقط من الشورى وانظر السبعة ٢٠٥ و ٢٠٦.