المذكور كقوله (كَالَّذِي خاضُوا) أي يبشّر به (١) ، ثم يبشّره (٢) على الاتساع. وأما على رأي يونس (٣) فلا يحتاج إلى عائد ؛ لأنها عنده (٤) مصدرية وهو قول الفراء (٥) أيضا ، أي ذلك تبشير الله عباده. وذلك إشارة إلى ما أعده الله تعالى لهم من الكرامة. وقال الزمخشري (٦) : أو ذلك التبشير الذي يبشّره الله عباده. قال أبو حيان : وليس بظاهر ؛ إذ لم يتقدم في هذه السورة لفظ البشرى ولا ما يدل عليها من «بشّر» أو شبهه (٧).
فصل
هذه الآيات دالة على تعظيم حال الثواب من وجوه :
الأول : أن الملك (٨) الذي هو أعظم الموجودات وأكرمهم إذا رتب على أعمال شاقة جزاء ، دل ذلك على أن ذلك الجزاء قد بلغ إلى حيث لا يعلم كنهه إلّا الله تعالى.
الثاني : أن قوله تعالى : «و (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) يدخل في باب غير المتناهي ؛ لأنه لا درجة إلا والإنسان يريد ما هو أعلى منها.
الثالث : أنه تعالى قال : (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) والذي يحكم بكبره من له الكبرياء والعظمة على الإطلاق يكون في غاية الكبر (٩).
واعلم أنه تعالى لما أوحى إلى محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ هذا الكتاب الشريف ، وأودع فيه أقسام الدلائل والتكاليف ورتبه على الطاعة والثواب وأمره بتبليغه إلى الأمة أمره بأن يقول إني لا أطلب منكم بسبب هذا التبليغ نفعا حاضرا فقال : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى). في هذا الاستثناء قولان :
أحدهما : أنه منقطع ؛ إذ ليست المودة من جنس الأجر (١٠).
__________________
(١) فحذف الياء من الضمير المجرور محلا.
(٢) ثم اتّصل بعد ذلك الضمير بالفعل مضموما هيئة ولكنه منصوب محلا ، وانظر البيان ٢ / ٣٤٧.
(٣) وهو يونس بن حبيب الذي نقل عنه سيبويه كثيرا أبو عبد الرحمن الضبيّ أخذ عن أبي عمرو ، وحمّاد ابن سلمة. انظر إنباه الرواة للقفطي.
(٤) نقله عنه السيوطي في همعه ١ / ٨٢ بينما قال الأخفش في المعاني ٦٨٦ : وجعل «الَّذِي يُبَشِّرُ» اسما للفعل كأنه تبشير ، كما قال : «اصدع بِما تُؤْمَرُ» أي اصدع بالأمر ولا يمكن أن تضمر فيها الباء وتحذفها لأنك لا تقول : كلم الذي مررت ، وأنت تريد به.
(٥) وهو المفهوم من عبارته في المعاني قال : «كخوضهم الذي خاضوه» المعاني ١ / ٤٤٦. وممن وافقهما من المتأخرين ابن مالك في التسهيل «٣٧» قال : «وقد تقع الذي مصدرية».
(٦) الكشاف ٣ / ٤٦٦.
(٧) البحر المحيط ٧ / ٥١٥ و ٥١٦.
(٨) في الرازي : السلطان.
(٩) انظر الرازي ٢٧ / ١٦٤.
(١٠) قال به أيضا غير الزمخشري الأخفش في المعاني ٦٨٦ ومكي في المشكل ٢ / ٢٧٧ وابن الأنباري في البيان ٢ / ٢٤٧.