وخامسها : أن طلب الأجر يوجب التهمة ، وذلك ينافي القطع بصحة النبوة. فثبت بهذه الوجوه أنه لا يجوز من النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أن يطلب أجرا ألبتة على التبليغ والرسالة ، وها هنا قد ذكر ما يجري مجرى طلب الأجر وهو المودة في القربى (هذا تقرير (١) السؤال).
فالجواب : أنه لا نزاع في أنه لا يجوز طلب الأجر على التبليغ ، وأما قوله : إلا المودة في القربى فالجواب عنه من وجهين :
الأول : أن هذا من باب قوله :
٤٣٨٠ ـ ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم |
|
بهنّ فلول من قراع الكتائب (٢) |
يعني أنا لا أطلب منكم إلا هذا. وهذا في الحقيقة ليس أجرا ؛ لأن حصول المودة بين المسلمين أمر واجب ، قال تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) [التوبة : ٧١] ، وقال ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ : المؤمنون كالبنيان يشدّ بعضه بعضا (٣) ، والآيات والأخبار في هذا كثيرة. وإذا (٤) كان حصول المودة بين المسلمين واجب فحصولها في حق أشرف المسلمين أولى ، فقوله : (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) تقديره والمودة في القربى ليست أجرا ، فرجع الحاصل إلى أنه (٥) لا أجر ألبتة.
الثاني : إن هذا استثناء منقطع ، وتم الكلام عند قوله : (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) ، ثم قال : إلّا المودّة في القربى أي أذكركم قرابتي منكم فكأنه في اللفظ أجر وليس بأجر (٦).
فصل
اختلفوا في قرابته ، فقيل : هم فاطمة وعلي وأبناؤهما ، وفيهم نزل : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣].
وروى زيد بن أرقم (٧) عن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أنه قال : «إنّي تارك فيكم الثّقلين كتاب الله تعالى وأهل بيتي وأذكّركم الله في أهل بيتي» (٨). قيل لزيد بن أرقم : فمن أهل بيته؟
__________________
(١) زيادة من الرازي.
(٢) للنابغة الذبياني من الطويل وقد أتى به شاهدا لما يسمى المدح بما يشبه الذم. وهذا البيت مشهور في الشواهد البلاغية معناه : إذا كان هذا عيبهم ، فليس فيهم عيب ، بل هو مدح فيهم.
انظر تفسير الخازن لباب التأويل ٦ / ١٢٢ وتفسير الرازي ٢٧ / ١٦٥ ، والمغني ١١٤ ، والهمع ١ / ٢٣٢.
(٣) رواه البخاري بلفظ المؤمن للمؤمن عن أبي موسى رضي الله عنه باب المظالم ٢ / ٦٧ وانظر أيضا مسند الإمام أحمد ٤ / ٤٠٤ و ٤٠٥ و ٤٠٩.
(٤) في ب : وإنه كان.
(٥) وفيها : أن لا.
(٦) انظر في هذين الوجهين الإمام الرازي ٢٧ / ١٦٥ ، والإمام الخازن ٦ / ١٢٢.
(٧) ابن زيد بن النعمان كان صحابيا مات سنة ٦٦. انظر خلاصة الكمال ١٢٦.
(٨) رواه الإمام أحمد في مسنده ٣ / ١٤ و ١٧ و ٢٦ و ٥٩ و ٤ / ٣٦٧ و ٣٧١ وقد روي الحديث : أنا تارك فيكم ثقلين.