فصل
قيل : التوبة بترك المعاصي نية وفعلا ، والإقبال على الطاعة نيّة وفعلا. وقال سهل ابن عبد الله : التوبة الانتقال من الأحوال المذمومة إلى الأحوال الممدوحة (١). وقيل : الندم على الماضي والترك في الحال والعزم على أن لا يعود إليه في المستقبل روى جابر أن أعرابيا دخل مسجد رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقال : اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك ، وكبّر ، فلما فرغ من صلاته ـ قال عليّ ـ رضي الله تعالى عنه : يا هذا إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة الكذابين ، فقال يا أمير المؤمنين (وما) (٢) التوبة؟ فقال (٣) : اسم يقع على ستة أشياء على الماضي من الذنوب الندامة ، ولتضييع الفريضة الإعادة ورد المظالم وإدامة (٤) النفس في الطاعة كما ربيتها (٥) في المعصية ، وإذاقة النفس مرارة الطاعة كما أذقتها حلاوة المعصية ، والبكاء بدل كل ضحك ضحكته (٦).
قالت المعتزلة : يجب على الله قبول التوبة ، وقال أهل السنة : لا يجب على الله تعالى ، وكل ما يقبله فهو كرم وفضل ، واحتجوا بهذه الآية فقالوا : إنه تعالى تمدح بقبول التوبة ، ولو كان ذلك القبول واجبا لما حصل المدح (٧) العظيم ، ألا ترى أنه من مدح نفسه بأن لا يضرب الناس (٨) ظلما كان ذلك مدحا.
قوله : (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) إما أن يكون المراد منه أن يعفو عن الكبائر بعد التوبة ، أو المراد أن يعفو عن الصغائر أو المراد : أن يعفو عن الكبائر قبل التوبة (٩).
والأول باطل وإلا صار قوله : (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) عين قوله : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) والتكرار خلاف الأصل) (١٠).
والثاني أيضا باطل ؛ لأن ذلك واجب ، وأداء الواجب لا يمدح به فبقي القسم الثالث فيكون المعنى أنه تارة يعفو بواسطة قبول التوبة ، وتارة يعفو ابتداء من غير توبة (١١).
فصل
روى أنس ـ (رضي الله عنه) (١٢) ـ قال : قال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : «لله أشدّ فرحا
__________________
(١) البغوي المرجع السابق.
(٢ و ٣) تكملتان من تفسير الرازي.
(٤) في الرازي : ولإذابة النفس.
(٥) في ب وأمهر. والتصحيح من الرازي.
(٦) وانظر تفسير الإمام الرازي ٢٧ / ١٦٨ ، والكشاف ٣ / ٤٦٨ و ٤٦٩.
(٧) في الرازي : التمدح.
(٨) وفيه : ولا يقتلهم غضبا ، والعبارة بتصرف من المؤلف في عبارة الرازي ٢٧ / ١٦٨.
(٩) السابق.
(١٠) ما بين القوسين سقط من ب.
(١١) الرازي المرجع السابق.
(١٢) سقط من ب.