قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ) أي المطر (مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) من بعد ما يئس الناس منه. وإنزال الغيث بعد القنوط أدعى إلى الشكر ؛ لأن الفرح بحصول النعمة بعد البلية أتمّ.
قال الزمخشري : قرىء قنطوا ، بفتح النون وكسرها (١). (فأما فتح النون فهي قراءة العامة،وأما كسرها فهي قراءة يحيى بن وثّاب ، والأعمش (٢) وهي لغة وعليها قراءة : (يَقْنَطُ) [الحجر : ٥٦] (لا تَقْنَطُوا) [الزمر : ٥٣] بفتح النون في المتواتر. ولم يقرأ في الكسر في الماضي إلا شاذا و «ما» مصدرية أي من بعد قنوطهم) (٣). قال مقاتل : حبس الله المطر عن أهل مكة سبع سنين حين قنطوا ، ثم أنزل الله المطر فذكرهم الله نعمه.
قوله : (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) يبسط مطره ، كما قال : (وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ (٤) رَحْمَتِهِ) [الأعراف : ٥٧] وهو الولي الحميد. «الوليّ» : الذي يتولى عباده بإحسانه «الحميد» المحمود على ما يوصل إلى الخلق من الرحمة وقيل : «الولي» لأهل طاعته ، «الحميد» عند خلقه.
قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(٣١)
قوله تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) الآية قد تقدم الكلام على دلالة خلق السماوات والأرض والحيوانات على وجود الإله الحكيم.
فإن قيل : كيف يجوز إطلاق لفظ الدابّة على الملائكة؟!.
فالجواب : فيه وجوه :
الأول : أنه قد يضاف الفعل إلى جماعة ، وإن كان فاعله واحدا منهم كما يقال : «بنو فلان فعلوا كذا» ، وإنما فعله واحد منهم ومنه قوله : «يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان» (٤).
الثاني : أن الدابة عبارة عما فيه الروح والحركة ، والملائكة لهم الروح والحركة.
الثالث : لا يبعد أن يقال : إنه تعالى خلق في السماوات أنواعا من الحيوانات يمشون
__________________
(١) الكشاف ٣ / ٤٦٩.
(٢) وهي من الأربع فوق العشر انظر الإتحاف ٣٨٣ ، ثمّ الكشاف السابق والبحر المحيط ٧ / ٥١٨.
(٣) ما بين القوسين ساقط من ب.
(٤) [الرحمن : ٢٢] وانظر تفسير الإمام العلامة الرازي ٢٧ / ١٧١.