مشي الأناس على الأرض. وروى العبّاس ـ (رضي الله عنه) (١) ـ أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : فوق السماء السابعة بحر (بين) (٢) أسفله وأعلاه كما بين السماء (٣) والأرض ، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين ركبهنّ (٤) وأظلافهنّ كما بين السّماء والأرض ، ثمّ فوق ذلك العرش(٥) ... الحديث.
قوله : (وَما بَثَّ) يجوز أن تكون مجرورة المحل عطفا على «السماوات» أو مرفوعته عطفا على «خلق» ، على حذف مضاف أي وخلق ما بثّ. قاله أبو حيان (٦). وفيه نظر ؛ لأنه يئول إلى جره بالإضافة «لخلق» المقدر (٧) فلا يعدل عنه.
قوله : «إذا يشاء» «إذا» منصوبة «بجمعهم» لا «بقدير» ، قال أبو البقاء : لأن ذلك يؤدي إلى أن يصير المعنى : وهو على جمعهم قدير إذا يشاء ، فتتعلق القدرة بالمشيئة وهو محال (٨). قال شهاب الدين : ولا أدري ما وجه كونه محالا على مذهب أهل السنة ، فإن كان يقول بقول المعتزلة ، وهو أن القدرة تتعلق بما لم يشأ الله مشى كلامه ، ولكنه مذهب رديء لا يجوز اعتقاده. ونقول : يجوز تعلق الظرف به أيضا (٩). قال الزمخشري : «إذا» تدخل على المضارع كما تدخل على الماضي ، قال تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) ومنه : (إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ)(١٠) ، والمقصود أنه تعالى خلقها لا لعجز ولا لمصلحة ولهذا قال : (وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) ، يعني الجمع والحشر والمحاسبة (١١).
فصل
احتج الجبّائيّ بقوله : إذا يشاء قدير على أن مشيئة الله تعالى محدثة ، قال : لأن كلمة «إذا» ظرف لما (لم) (١٢) يستقبل من الزمان وكلمة «يشاء» صيغة المستقبل فلو كانت مشيئته تعالى قديمة لم يكن لتخصيصها بذلك الوقت المستقبل فائدة ، ولما دل قوله : «إذا يشاء» على التخصيص علمنا أن مشيئته تعالى محدثة.
وأجيب : بأن هاتين الكلمتين كما دخلتا على المشيئة فقد دخلتا أيضا على لفظ «القدير» فلزم على هذا أن تكون قدرته صفة محدثة ، ولما كان هذا باطلا فكذا القول في المشيئة (١٣).
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) كذلك.
(٣) في ابن ماجة : بين سماء إلى سماء.
(٤) وفيه : بين أظلافهن وركبهن.
(٥) وفيه : فوق ظهورهن العرش ، انظر ابن ماجة ١ / ٦٩ نقلا عن العباس بن عبد المطلب وهو جزء من حديث طويل.
(٦) البحر المحيط ٧ / ٥١٨.
(٧) في ب المقدرة.
(٨) التبيان ١١٣٣.
(٩) الدر المصون ٤ / ٧٥٦.
(١٠) الكشاف ٣ / ٤٧٠. والآية الأولى من الليل.
(١١) بتوضيح وتكملة من الرازي لكلام الزمخشري ٢٧ / ١٧١.
(١٢) زيادة من ألا معنى لها ، فهو تحريف.
(١٣) قاله ونقله الرازي في تفسيره ٢٧ / ١٧٢.