فصل
ذكروا في تفسير مقتهم أنفسهم وجوها :
الأول : أنهم إذا شاهدوا القيامة والجنة والنار مقتوا أنفسهم على إصرارهم على التكذيب بهذه الأشياء في الدنيا.
الثاني : أن الأتباع يشتد مقتهم للرؤساء الذين دعوهم إلى الكفر في الدنيا ، والرؤساء أيضا يشتد مقتهم للأتباع فعبر عن مقت بعضهم بعضا بأنهم مقتوا أنفسهم كقوله تعالى : (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [البقرة : ٥٤] ، والمراد قتل بعضهم بعضا.
الثالث : قال محمد بن كعب (القرظيّ) : إذا خطبهم إبليس وهم في النار بقوله : «ما كان لي عليكم من سلطان» إلى قوله : (وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) [إبراهيم : ٢٥] ففي هذه الحالة مقتوا أنفسهم ، وأما الذين ينادون الكفار بهذا الكلام فهم خزنة جهنّم (١).
فصل
المقت : أشد البغض وذلك في حق الله تعالى محال ، فالمراد منه الإنكار والزجر (٢) ، قال الفراء قوله (يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ) معناه ينادون أن مقت الله ، يقال : ناديت إن زيدا قائم ، وناديت لزيد قائم (٣).
ثم إنه تعالى بين أن الكفار إذا خوطبوا بهذا الخطاب قالوا : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ...) الآية : «اثنتين» نعت مصدر محذوف تقديره إماتتين اثنتين (٤). قال ابن عباس وقتادة والضحاك : كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم فأحياهم الله في الدنيا ، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها ، ثم أحياهم للبعث يوم القيامة فهما موتان وحياتان ، وهو كقوله : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) [البقرة : ٢٨]. وقال السديّ : أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم للسؤال ثم أميتوا في قبورهم ، ثم أحيوا في الآخرة. وقوله (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) أي من خروج من النار إلى الدنيا فنصلح أعمالنا ونعمل بطاعتك ، ومّر نظير : (هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ)(٥) والمعنى أنهم لما عرفوا أن الذي كانوا عليه في الدنيا كان فاسدا باطلا تمنوا الرجوع إلى الدنيا ليشتغلوا بالأعمال الصالحة.
فإن قيل : الفاء في قوله «فاعترفنا» يقتضي أن تكون الإماتة مرتين (والإحياء (٦) مرتين) سببا لهذا الاعتراض فما وجه هذه السّببيّة؟.
__________________
(١ و ٢) انظر الرازي ٢٧ / ٣٨.
(٣) معاني القرآن له ٣ / ٧.
(٤) الرازي السابق.
(٥) انظر هذه الأقوال كلها في تفسير البغوي ٦ / ٩٠ ، ٩١.
(٦) سقط من ب.