قوله : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) قرأ نافع وابن عامر بما كسبت بغير فاء (١) ، والباقون بالفاء «فما» في القراءة الأولى الظاهر أنها موصولة (٢) بمعنى الذي ، والخبر الجار من قوله «بما كسبت».
وقال قوم منهم أبو البقاء : إنها شرطية حذفت منها الفاء ، قال أبو البقاء : كقوله تعالى : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) [الأنعام : ١٢١].
وقول الآخر :
٤٣٨٢ ـ من يفعل الحسنات الله يشكرها |
|
......... (٣) |
وهذا ليس مذهب الجمهور ، إنما قال به الأخفش وبعض البغداديّين (٤) ، وأما قوله : (إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) فليس جوابا للشرط ، إنما هو جواب لقسم مقدر حذفت لامه الموطّئة قبل أداة الشرط (٥).
وأما القراءة الثانية ، فالظاهر أنها فيها شرطية. وقال أبو البقاء : إنّه ضعيف (٦) ولا يلتفت إلى ذلك. ويجوز تكون الموصولة ، والفاء داخلة في الخبر تشبيها للموصول بالشرط بشروط مذكورة في هذا الكتاب. وقد وافق نافع وابن عامر مصاحفهما ، فإن الفاء ساقطة من مصاحف المدينة والشام ، وكذلك الباقون ، فإنها ثابتة في مصاحف مكّة والعراق (٧).
فصل
اختلفوا فيما يحصل في الدنيا من الآلام والأسقام ، والقحط ، والغرق ، والمصائب هل هي عقوبات على ذنوب سلفت أم لا؟ فمنهم من أنكر ذلك لوجوه :
الأول : قوله تعالى : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) [غافر : ١٧] بيّن تعالى أن ذلك إنما يحصل يوم القيامة وقال تعالى : (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) [الفاتحة : ٣] أي يوم الجزاء ، وأجمعوا على أن المراد منه يوم القيامة.
الثاني : مصائب الدنيا يشترك فيها الزنديق ، والصّدّيق ، فيمتنع أن يكون عقوبة على
__________________
(١) وكذا قرأ أبو جعفر من السبعة أيضا انظر السبعة ٥٨١ ، والإتحاف ٣٨٣.
(٢) وهو أحد قولي ابن الأنباري في البيان ٢ / ٣٤٩ وانظر الجامع للإمام القرطبي ١٦ / ٣٠.
(٣) سبق هذا البيت وبيان ما فيه ، وانظر التبيان ١١٣٣.
(٤) حذف الفاء ضرورة عند المحققين والجمهور في موضع اللزوم كالبيت السابق وقد روي : من يفعل الخير فالرّحمن يشكره فلا ضرورة إذن. وأجاز الكوفيون حذف العلامة اختيارا استدلالا بقوله : «أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ» على قراءة الرفع وهي شاذة. وهذا على غير رأي سيبويه والجمهور. انظر شرح الكافية ٢ / ٢٦٣.
(٥) والتقدير : ولئن أطعتموهم ، وهذا قول السمين في الدر ٤ / ٧٥٦.
(٦) التبيان ١١٣٣.
(٧) الكشاف ٣ / ٤٧٠ والسمين في الدر المصون ٤ / ٧٥٧.